أثار خطاب الرئيس محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، قبل أسبوع، والذي منح خلاله "إسرائيل" عاما لإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطيني عام 1967، تساؤلات حول ما هي الخطوة التالية لما بعد العام؟ وما هي الخيارات أمام الفلسطينيين لمواجهة "إسرائيل"؟
وفي هذا السياق، قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أحمد مجدلاني "إننا اليوم كسياسيين لا نتعامل مع الخطاب كخطاب وانما بتحويله الى خطة عمل فيها عناصر مكتملة للمبادرة أولا الدعوة لمؤتمر دولي للسلام على أساس الشرعية الدولية وهو العنصر الهام في هذه الدعوة، وثانيا مرجعية هذه الدعوة هي قرارات الشرعية الدولي ذات الصلة، وأيضا السقف الزمني مدته عام لإنقاذ حل الدولتين قبل ان تقرر القيادة الفلسطينية خيارات أخرى وهي موضوعة للنقاش".
وأضاف مجدلاني: المبادرة السياسية قائمة على أساس حل الدوليتين وفيها دعوة خلال العام للأمم المتحدة ان تطبق القرار بتوفير الحماية للشعب الفلسطيني طبقا لقرار الشرعية الدولية الذي اتخذ قبل أربع سنوات في الجمعية العامة، حيث لم يبذل الأمين العام الجهد الكافي من اجل ترجمة هذا القرار الى قرار عملي، لذلك هذا الموضوع بحاجة اليوم للمراجعة وهو جزء من المبادرة.
وتابع: نحن في اللجنة التنفيذية تعاملنا مع الخطاب كخطاب مدروس بدقة وعناية والرسائل التي تضمنها كانت محددة للجهات التي بدها تصلها هذه الرسائل والأهم من كل ذلك، أنه جاء في سياقه التاريخي وليس معزولا عنه وفي اطار تحليلنا للوضع الدولي والعربي والإقليمي والوضع الداخلي.
وخلال طاولة نقاش مستديرة لنخبة من السياسيين والأكاديميين والقانونيين، نظمتها جامعة القدس، أوضح مجدلاني أن الخطاب الذي يتضمن مبادرة للعالم بضرروة تحمل مسؤولياته يتضمن أيضا مبادرة على المستوى المحلي الداخلي والتي تتعلق باستعادة الوحدة الوطنية بالحوار الوطني معالجة الإشكاليات الداخلية.
وقال: اجتمعت اللجنة السياسية المكلفة من اللجنة التنفيذية ووضعنا خطة لتحويل هذا الخطاب لبرنامج عمل وآليات تنفيذية خلال هذا العام. العالم ينظر الينا اليوم كيفية تحويل الخطاب الى عمل ولن يأخذنا العالم على محمل الجد على الاطلاق ولن يتعامل معنا الاحتلال بجدية على الاطلاق أيضا ما لم يُحول الخطاب لواقع فعلي ولن يتعامل المجتمع الفلسطيني ومكوناته المختلفة مع الخطاب بجدية ما لم يلمس تحولا جديا في السياسة الداخلية والخارجية.
وأعرب مجدلاني عن اعتقاده ان مصداقية القيادة الفلسطينية على المحك بالتالي هذه المصداقية تتحدد بقدر الذي نوفر فيه برنامج عمل قابل للتطبيق وقابل للمتابعة ونستطيع فرضه بقوانا الذاتية، لنوفر قوة ضغط محلية ودولية وإقليمية لترجمة هذا الخطاب.
خطة من أربعة مسارات
وبيّن أن خطة العمل تقوم على أربع مرتكزات ومسارات، أولها التحرك على المستوى السياسي والدبلوماسي دوليا بما في ذلك المسار القانوني منها المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية ومجلس حقوق الإنسان.
ومسار سياسي متعلق بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واصدقائنا في روسيا والصين ودول عدم الانحياز والتعاون الإسلامي والافريقي.
ثانياً: التحرك على مسار متعلق بالوضع العربي والمهام المتعلقة بالجامعة العربية، والذي سنتعامل معه على مستويين، أولا المستوى الرسمي والثاني القوى والأحزاب والمجتمع المدني في الدول العربية.
ثالثا: المستوى الإسرائيلي سواء في اطار العمل مع قوى السلام الإسرائيلية او الجهد الذي يبذل الآن رغم تنصل الحكومة الإسرائيلية.
رابعاً: الوضع الداخلي المرتبط بالحوار، حيث ليس لدينا سوى الحوار، ونريد ان نجعل من هذا الخطاب برنامج عمل وطني ليتبنى في اطار الحوار الوطني الشامل.
خطاب استراتيجي بحاجة للتقييم
ووصف رئيس جامعة القدس د.عماد أبو كشك في حديث لـ"أركان" الخطاب بالاستراتيجي والتاريخي لان القضية تمر بمنعطف تاريخي بحاجة للتقييم من قبل المجتمع والأحزاب السياسية والمؤسسات الاكاديمية والنخب الفلسطينية لإيجاد القدرة في التعاطي مع الرؤيا المستقبلية وتأثيرها على الوضع الإقليمي والمحلي والدولي.
وقال إن الخطاب يأتي في وقت تتوفر فيه منهجية جديدة للعمل بحاجة لدراسته وتقييم مخرجاته بشكل دقيق، وأبعاده الاستراتيجية وانعكاساته وتأثيره على المجتمع الفلسطيني والدولي والإسرائيلي والعربي.
تغيير في اللعبة السياسية
أما النائب العربي السابق في الكنيست الإسرائيلي طلب الصانع فقد رأى أن القضية الأهم في خطاب الرئيس بأنه استعاد زمام المبادرة بضرورة حسم إنهاء الاحتلال خلال هذا العام، ويجب أن لا يستمر إلى ما لانهاية.
وأوضح الصانع لـ"أركان" أن الخطاب هو الأول أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في اعقاب المتغيرات سواء في الولايات المتحدة الأمريكية ما بعد عهد ترامب وفي "إسرائيل" أيضا ما بعد نتنياهو، حيث الرئيس ساهم في تغيير اللعبة السياسية على المستوى المنطقة، إذ كانت "إسرائيل" المبادر والتي تحدد قواعد اللعبة وتحاول ان تكون اللاعب الوحيد في هذا اللقاء.
وقال الصانع إنه في الخطاب طرح الرئيس كل القضايا الفلسطينية وخاطب الرأي العام العالمي الواقع تحت تأثير عدة حجج المزاعم والحجج الإسرائيلية، وأعاد الأمور لنصابها بأنه هناك شعب فلسطيني وهناك نكبة أدت لتشريد 50% من الشعب الفلسطيني وهناك جرائم حرب وتطهير عرقي وعلى المجتمع الدولي أن يتحمل المسؤولية. كما أكد على القضية الأهم بأن هناك شريك فلسطيني وغياب للشريك السلام في "إسرائيل".
واعتبر أن أي محاولة للبطش تقوم به "إسرائيل" لأي رأي أخر تحت شعار اللاسامية هو عمليا غير صحيح لأن هناك أمر شرعي هو انتقاد سياسة الاحتلال والتطهير العرقي.
برنامج عمل فلسطيني
ورأى المستشار في ديوان الرئاسة د. أحمد الرويضي لـ"أركان" أن خطاب الرئيس تضمن برنامج عمل له ابعاد سياسية وقانونية وأخر له علاقة بالهوية الفلسطينية ضمن الرواية، حيث أنهى الرئيس خطابه بأن عرض "كوشان" أرض بأننا أصحاب الأرض بالتالي على المجتمع الدولي أن يعيد اعتباره للقرارات التي صدرت عن الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية منذ نشأتها.
وأوضح أن مدة السقف الزمني التي وضعها الرئيس لإنهاء الاحتلال تعني أن العالم يجب أن يكون على قدر المسؤولية في انهاء الملف الفلسطيني على أساس حل الدولتين بالتالي الخيارات الفلسطينية بعد عام ستكون مفتوحة.
وبيّن أن الخطاب هو بمثابة برنامج عمل فلسطيني اقترحه الرئيس امام الساسة في العالم لانه كان يتحدث امام كل قادة العالم.
وكان الرئيس عباس، قد قال خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 24/9/2021 إن السلطة الفلسطينية لم ترفض أي مبادرة حقيقية وجادة لتحقيق السلام. وفي المقابل، لا تجد شريكا في "إسرائيل" يؤمن بحل الدولتين.
وأضاف أن "إسرائيل" استولت بالقوة العسكرية على نصف الأرض المخصصة للدولة الفلسطينية، وإن أمام تل أبيب عاما واحدا للانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967.
ولوح عباس بسحب الاعتراف بـ"إسرائيل"، في حال عدم انسحابها من الأراضي الفلسطينية ومنع تحقيق حل الدولتين. كما هدد بالتوجه إلى محكمة العدل الدولية، من أجل اتخاذ قرار حول شرعية وجود الاحتلال على أرض دولة فلسطين، وحسم المسؤولية المترتبة على الأمم المتحدة والعالم إزاء ذلك.
وحذر من أن تقويض حل الدولتين القائم على الشرعية الدولية، سيفتح أبوابا واسعة أمام بدائل أخرى سيفرضها علينا جميعا الواقع القائم على الأرض.