كلما تمددت إسرائيل في العالم العربي لحق الدمار والخراب  بالدول العربية.

هل هي مصادفة أن الانقلاب العسكري في السودان تم بعد أربعة أسابيع على زيارة القائد الثاني لقوات الدعم السريع السودانية إلى تل أبيب؟ وعلى زيارة وفد أمنى إسرائيلي قبل أيام قليلة من الانقلاب للسودان والاجتماع مع قادة الجيش السوداني؟

هل هي مصادفة قيام المغرب بعد سنين طويلة من الهدوء مع شقيقتها الجزائر القيام بتوتيرعلاقاتها معها لدرجة

قيام الأخيرة باتهام المغرب بقصف شاحنة نقل وقتل ركابها الثلاثة وهم في طريقهم لموريتانيا؟

ما الذي نعلمه يقيناً؟

نعلم أن إسرائيل غارقة حتى أذنيها في دعم جبهة النصرة التي تواجدت على الحدود السورية وفي المنطقة التي تقابل المناطق التي تحتلها إسرائيل في الجولان وكانوا يتلقون الدعم من إسرائيل ويُعالجون فيها.

نعلم يقيناً أن كركوك في العراق هي منطقة تتواجد فيها إسرائيل وتستخدمها للتجسس ليس فقط على إيران وتركيا، ولكن على العراق أولاً، وفيها تم عقد مؤتمر «التطبيع» الذي ادانته الحكومة العراقية وجميع القوى الوطنية العراقية.

نعلم أيضاً أن إسرائيل موجودة في المناطق التي تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية الكردية وهي تقوم بتسليحهم وتدريبهم أيضا لإبقاء سورية ممزقة ولإضعاف تركيا.

نعلم أيضاً أن أثيوبيا تجرأت على بناء سد النهضة رغم الأضرار الكبيرة التي سيتسبب بها للسودان ومصر بعد أن وطدت علاقاتها مع إسرائيل.

أيادي إسرائيل الطويلة هي التي شجعت بعض العرب على التطبيع معها.

حُلم عسكر السودان وتحديداً الجنرال البرهان قائد الجيش، والجنرال حميدتي قائد قوات التدخل السريع، في الاستفادة من اللوبي الإسرائيلي في أميركا ليس لرفع اسم السودان من قائمة الإرهاب كما يتم الادعاء دائماً، ولكن لتجنب الوقوع تحت طائلة الاتهام بارتكاب جرائم حرب في دارفور كما يقول المحلل السياسي السوداني جهاد المحشمون، هو الذي دفعهم للتطبيع مع إسرائيل.

أحلام المغرب بقدرة اللوبي اليهودي في أميركا على تكريس سيادتهم على الصحراء الغربية أعطته الوهم بأن ذلك يكفي لجعلها جزءاً من المغرب.

وأحلام البعض بأن العلاقة مع إسرائيل تجعل أميركا مضطرة لمواجهة إيران دفعتهم أيضاً، ضمن أسباب أخرى لها أيضاً علاقة بأميركا، للتطبيع وحتى للتحالف أيضاً مع إسرائيل.

لكن هذه مجرد أحلام لا أساس لها من الصحة والخاسر الوحيد من نتائجها هو العالم العربي.

أميركا واللوبي اليهودي فيها لا يمكنهما حماية عسكر السودان إذا ما قررت المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات بحقهم. والأهم أنهم لا يستطيعون حمايتهم من شعبهم الذي يرفض الانقلاب.

شاهدنا كيف تراجعت المحكمة الجنائية الدولية عن اتهام حزب الله بقتل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري لعدم وجود الأدلة ورغم كل الضغوط التي مورست عليها.

أميركا واللوبي اليهودي ليسوا «العالم» ليقرروا مصير الصحراء الغربية.. لم تعترف أوروبا والصين وروسيا مثلا بسيادة المغرب على الصحراء الغربية بعد القرار الأميركي «بمنحها للمغرب.»

علاقات القوى الكردية الفاعلة مع إسرائيل في سورية والعراق حولتها الى طرف يتم استهدافه بشكل دائم من تركيا وإيران والقوى الوطنية العراقية. رئيس مجلس صحوة العراق لم يتمكن من العودة لبيته بعد مشاركته في مؤتمر التطبيع وبقي في أربيل تحت حماية القوات الكردية.

الدول الخليجية التي سعت لحماية أمنها عن طريق إسرائيل أملا في جعل أميركا أكثر قربا لها ستفاجأ بأن حسابات الأخيرة أكثر تعقيدا وأنها لا تريد خوض حرب مع إيران أيا كانت الأسباب.

أميركا لا تفكر اليوم الا في الصين وبشكل اقل في روسيا، ولا تريد إهدار مواردها وتركيزها على الخليج العربي خصوصاً وأن خصمها الصين هو المستفيد الأكبر من الخليج، حيث يستورد أكثر من ٤٠٪ من حاجته من الطاقة منها. الصين في الحسابات الأميركية هي من عليه أن يغرق في مشاكل منطقة الخليج وليس هي.

قرأت للبعض ما معناه أن أميركا معنية بالهيمنة على البحار والمحيطات وبأن حاجة الصين للنفط الخليجي تجعل أميركا أكثر اهتماماً بالخليج، أقله لحرمان الصين من النفط الخليجي إن وصل التنافس الى ذلك المستوى.

هذا تحليل يفترض بأن الصين دولة ضعيفة وليس لديها استعداد للدفاع عن مصالحها. إيران وهي دولة ضعيفة مقارنة بالصين (ليس لديها سلاح نووي او صواريخ أسرع من الصوت مثلاً) لا تفرط بمصالحها وتواجه الولايات المتحدة إذا استدعت مصالحها ذلك (لاحظ ما حدث بعد اغتيال الجنرال سليماني من قصف لقواعد عسكرية أميركية او المواجهة التي حدثت قبل أسابيع مع البوارج الاميركية والتي أعلن عنها قبل يومين).

الصين أقوى من إيران اضعافاً مضاعفة ولا يمكن أن تسمح للولايات المتحدة بحرمانها من حقوق لها تعتبرها لها مثل الحق في استيراد النفط من دول الخليج.

الاعتقاد بأن هنالك مكاسب قادمة من العلاقات مع إسرائيل هو مجرد وهم، سراب مخادع.  

العلاقة مع إسرائيل لا تجلب أكثر من خسارة للشرعية الوطنية المحلية التي يحتاجها كل من يريد أن يحكم، وهي تحول دولهم الى ساحات مواجهة للقوى الإقليمية وتجرها بالتالي إلى الخراب.