أكد عضو جماعة الإخوان المسلمين في مصر سابقاً، سامح فايز، أن ثورة يونيو 2013 التي أطاحت بحكم الإخوان المسلمين، أنقذت مصر والمنطقة العربية عموماً من فيروس الطاعة الذي تعتنقه الجماعة.
وأسهب فايز في مقال له بعنوان "مشاهدات شخصية: كيف تتم البيعة في تنظيم الإخوان المسلمون؟"، مستعرضاً تجربته الشخصية في جماعة الإخوان المسلمين في مصر، منذ كان طفلاً في الحادية عشر من عمره، إلى أن بايع المرشد الخامس مصطفى مشهور، في بداية الأليفة الثالثة، وتعرف على أركان البيعة العشرة، لدى الجماعة، وهي "الفهم والإخلاص والعمل والجهاد والتضحية والطاعة والثبات والتجرد والأخـوَّة والثقة".
واستعرض موقف حدث معه في مقهى بشارع التحرير مع أحد شباب الإخوان والذي خرج توا من السجن، حوالي عام 2016، أخبره فيها الشاب بشكل ساخر من جماعة الإخوان التي كان ينتمي إليها سابقاً قائلاً بنبرة ساخرة: "مَن مَاتَ وَليسَ في عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً"، ما يدلل على أن هناك أشخاص يفهمون الإخوان جيداً بعد الانخراط فيهم.
وأوضح فايز، أن البيعة لدى الإخوان تعني العهد على الطاعة للأمير في الجماعة بما يكلفه به من أمر على المنشط والمكره، وبينما عناصر الجماعة لا يعلمون أنهم يتم إعدادهم وتجهيزهم لكي يكونوا جنوداً في معركتهم هم، ولذلك الإخوان لا يأمنون على أنفسهم إلا من استوثقوا أنه اجتاز منهجا تربويا وتعليميا أعده حسن البنا قبل 100 عام، أراد به خلق جيل من شباب الإخوان لا ينازعونه من الأمر شيء، حتى بعد وفاته بكل تلك السنوات!
وأشار إلى أن رسالة حسن البنا الأخطر وردت في حديثه عن البيعة في (رسائل التعاليم)، وتعتبرها الجماعة الرسالة الأخطر من بين رسائله الأخرى في مواضيع مختلفة، وهي مكملة لرسائل تربوية سبقتها تسمى "رسالة المنهج"، وفي هاتين الرسالتين وضع البنا فيهما أعمدة التربية والتنشئة في الجماعة، وفيهما أيضا يخلق الإخوان ممالك مصغرة داخل الدول والأوطان، ممالك لا تعرف سوى حسن البنا ورسائله، ولا ترى سوى إخوانهم من الجماعة، ولا يعتبرون أحدهم مسلما إلا من دخل جماعتهم.
وتابع، فايز أنه منذ اللحظة الأولى بدأت الجماعة تجهزهم رغم صغر سنهم، في قريته التابعة لمركز كرداسة غير كل القرى المصرية الأخرى، وكانت تحكم سابقا من الإخوان، منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي، ذلك العقد الذي شهد بزوغ دعوة أظلمت القرية والقرى المجاورة حتى عام 2013! في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين، وأن ثورة يونيو 2013 التي أطاحت بالرئيس الإخواني محمد مرسي، وتولى الجيش المصري إدارة شؤون البلاد ومن ثم تم انتخاب الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي.
اقرأ/ي أيضاً: سكان الأرض يقتربون من 8 مليارات
ونوه الكاتب فايز، إلى أن "البيعة" للإخوان في الأصل كانت لجماعة معينة، وليس جميعهم، يقصد بهم "الإخوان المجاهدون"، كما وصفهم البنا:” فهذه رسالتي إلى الإخوان المجاهدين من الإخوان المسلمين الذين آمنوا بسمو دعوتهم، وقدسية فكرتهم، وعزموا صادقين على أن يعيشوا بها، أو يموتوا في سبيلها، إلى هؤلاء الإخوان فقط أوجه هذه الكلمات". وهم في تلك الحالة النظام الخاص، الجناح العسكري المسلح للجماعة، الذي بدأ عمله باغتيال القاضي الخزندار أمام منزله في الأربعينيات من القرن الماضي، حتى وصل إلى اغتيال النائب العام هشام بركات 29 يونيو (حزيران) 2015، عن طريق سيارة مفخخة استهدفت موكبه، بعدها أعلن تنظيم سواعد مصر (حسم) الجناح المسلح لتنظيم الإخوان، تبنيه العملية الإرهابية.
ولفت إلى أن البيعة الحقيقية لدى الإخوان هي بيعتين للعمل برسائل التعاليم لحسن البنا، أشار إليهما أحمد عادل كمال عضو النظام الخاص بالجماعة الذي ذكر بيعتين أعطاهما في كتابه، الأولى مع بدايات تعرفه إلى الإخوان، والثانية وهى البيعة الخاصة، على نهج رسالة التعاليم، أعطاها للنظام الخاص. في النصف الأول من القرن العشرين، ولكن مع صدام الجماعة بثورة يوليو والضباط الأحرار في القاهرة، بدأت الانغماس في الدعوة السرية، وأصبح للجماعة مرشدا ظاهرا، وآخر مرشد سري لا يعرفه إلا نخبة مختارة من الجماعة، حتى لا تسقط الجماعة إن اعتقل أفرادها.
ويقول فايز:" في مرحلة العمل السري تلك تم تجنيدي في الجماعة، ومررت بمنهج تربوي قاس جدا على أطفال في مثل أعمارنا، وكان لنا جدول متابعة أسبوعي، نسجل فيه ما قدمنا على فعله أسبوعياً، من صلوات خمس، وأداء السنن، وترديد الأوراد التي توارثناها عن حسن البنا، وفي نهاية الأسبوع كنا نجتمع بعد صلاة الفجر في منزل أول أستاذتي في الجماعة، وكان يدعى عبد الصبور، ندخل فرادي، وننصرف هكذا أيضا، ولم نكن نسأل عن السب، الذي عرفته لاحقا بالطبع!
ويلفت الكاتب إلى أن الجلسة تبدأ دون أن يقدم أستاذ عبد الصبور أدنى تعليق على أوراق المتابعة، فقط يعطينا غيرها كي نبدأ من جديد، وهكذا كل أسبوع، وفي نهايته ننتظم في جلسة تستمر لساعة يحدثنا فيها عن الدعوة إلى الله. ثم انتقلت في مرحلة لاحقة إلى أستاذ آخر، كان يعمل في دور نشر الإخوان، ومنه حصلت على أبرز أدبيات الإخوان، التي عرفتها وأنا طالب في المرحلة الإعدادية، خصوصا إصدارات مركز الإعلام العربي، المملوك لوزير الإعلام فترة حكم الإخوان لمصر عام 2012.
وتابع أنه بعد سنوات ثلاثة من التجهيز لاحظت ما سبب لي حالة من التيه عانيت منها لسنوات بعد ذلك، هي أن زملائي في الأسرة ينتقلون تباعا إلى أسر أخرى، بأساتذة آخرين، ومناهج تربية مختلفة، ويعطون مسؤوليات أكبر، بالنسبة إلى أعمارهم، أما أنا فبقيت أتنقل من أستاذ إلى آخر دون منهج تربوي واضح، أو أدنى اهتمام منهم، كأنهم يفتحون الباب لي كي أنصرف عنهم، وهو ما حدث بالفعل عام 2004.
وأوضح أنه قبل انصرافه من الجماعة بثلاثة أعوام تقريبا، التقى أفراد كثر من الإخوان في حفل زفاف أبناء قياديين في الجماعة، وبعد انتهاء مراسم الزفاف خرجنا أمام المسجد لنقف طابورا دون أن أفهم لماذا، وبدأنا بالتحرك، وفي نهاية الطابور جلس مصطفى مشهور، مرشد الإخوان، وكان في ذلك الوقت شيخا كهلا طاعنا في السن، يقبل الجميع يده، وعندما حان دوري قبلت يده أنا أيضا، وتحركت في صف كآلة، لا تفهم، رغم أن الركن الأول من أركان البيعة هو الفهم، غير أن شرح ذلك الركن والذي عرفته بعد ذلك الموقف بسنوات أيضا، يقصد به فهم دعوة الإخوان، الدعوة التي ينتسب إليها الجماعة المسلمة الوحيدة التي تستحق الإتباع!
ولفت إلى أنه عرف لماذا تقدم زملاؤه عليه في الأسرة، مستذكراً ورقة المتابعة التي كان يقدمها اسبوعياً للأستاذ عبدالصبور دون أدنى تعقيب منه، فقد كانت تلك الورقة هي سند مرور أحدهم ورحيل آخر؛ لأن مسؤول كل أسرة يرفع بشكل دوري لمسؤولي الشعبة تقرير عن كل عضو في الأسرة، وبناء على ذلك التقرير يتم التدرج في مراتب التربية، وصولا إلى البيعة بشكلها العام، ثم الدخول في منهج تربوي آخر وصولا إلى البيعة الخاصة للمجاهدين.
وقال:" إن ما حدث معي هو أن تقاريري جميعها كانت سلبية، فلم أكن أنصت لحديث شيخي عن رفضه حبي للقراءة، خصوصا سلسلة الأدب العالمي للناشئين التي واظب مشروع القراءة للجميع المدعوم من وزارة الثقافة المصرية على نشرها بثمن بخس. إضافة إلى أنني كنت كثير السؤال، في كل شيء لا أستطيع إتيان مسألة دون فهمها، وكنت أرفض اتباع الأوامر، وأعاني من مشاكل تلازمني حتى اليوم في الطاعة العمياء، وهى جميعها أشياء تطعن في العضو الذي يرغب في الانتساب للجماعة.
وأضاف، أن ما زاد الطين بله أنه عندما حدثت ردة فكرية وكاد أن يعود للجماعة مرة أخرى عام 2011، بعد ست سنوات من الترك، لكن في ذلك العام اشتعل الوطن العربي، في ثورات متتابعة بدأت بتونس، ثم وصلت إلى مصر، واشتركت فيها مثل الملايين غيري، وعندما كنت أردد في الميدان بلادي بلادي بلادي، كان الإخوان يهتفون: "الله غايتنا، الرسول قدوتنا – القرآن شرعتنا – الجهاد في سبيل الله أسمى أمانينا". وهى العبارات المختصرة لأركان البيعة العشرة في رسالة التعاليم، التي تخلق فردا يدين بالولاء ليس للجماعة وفقط، ولكن لشخص حسن البنا، ولا يعرف غيره سواء أرض أو وطن أو أقرباء بالدم!.