تتضح مع كل تحوّل تشهده المنطقة، مثل موجة التطبيع المتلاحقة شرقاً وغرباً مع اليمين الفاشي في إسرائيل، حقيقة غياب أي إستراتيجية فلسطينية لمواجهة المتغيرات العميقة التي تصب في الشأن الفلسطيني الداخلي وحضوره في المشهد الإقليمي والدولي.
سيكون نوعاً من التكرار الممل الحديث عن الانقسام كثغرة تواصل اتساعها بحيث تساهم في مرور صفقات التطبيع العربية على أنواعها ومراتبها، رغم أنها صفقات مضمرة ومنجزة كانت موجودة دائماً بانتظار الخروج من يرقاتها.
الانقسام الفلسطيني، وتمسك أطرافه بتوفير أسباب الحياة والنمو لبقائه، إضافة إلى عوامل أخرى، كان أحد الإشارات التي تتبعتها هذه اليرقات على طريق تحولها إلى كائنات زاحفة قادرة على إظهار جسدها ووجهها الحقيقي دون حذر أو حسابات.
الانقسام هو ورقة الآخرين، ورقة الاحتلال وورقة أنظمة التطبيع وورقة الفساد.
الانقسام الذي تحول إلى واقع سياسي وجغرافي راسخ، كما لو أنه جزء من المكون الوطني للفلسطينيين، بقدر ما يشكل مكاسب محزنة لبعض المستفيدين في وقت ضائع يعبُر فيه الشعب الفلسطيني الفصل الثالث من نكبته بعد 1948 و1967، حيث تسعى قوى عديدة لتصفية القضية الفلسطينية والتخفف من عبئها السياسي والقومي والأخلاقي.
هو الخطيئة التي ستتحملها النخبة السياسية الفلسطينية بأطيافها، المتنفذة أو ما يدور في فلكها مثل الاتجاه الوطني ممثلاً بفصائل منظمة التحرير، حيث تتمثل "إستراتيجيته" بالانتظار وتمرير الوقت والتعامل مع المستجدات بردات فعل باهتة وبلاغية، التي تفرضها نزعة الخوف والعزلة وغرائز البقاء، أو الإسلام السياسي ممثلاً إضافة إلى "حماس" بـ"الجهاد" وبعض الميليشيات في قطاع غزة التي تشكل امتداداتهما الإقليمية "إستراتيجية" تتغذى عليها وتواصل بقاءها، الإستراتيجية هنا نوع من المجاز، إذ تنحصر ببساطة في برامج حلفائها، حلفاء أيضاً مجاز، وتكتيكاتهم.
عندما تتحول أفعال "الآخرين" إلى مرآة لحضورك السياسي ومشروعك الوطني، وتكتيكاتهم، الآخرين، إلى إستراتيجية خاصة بك، فهذا يعني ببساطة وبكثير من الدقة، أنك تضع مشروعك كاملاً في سلة ليست لك، وأنك تزج أحلامك في نوم الآخرين، وأن الأمر برمته خاص بسواك وليس بك، وأنك لست أكثر من أداة، من أدوات كثيرة، في مكائن الإمبراطوريات.