لم تشكل نتائج آخر استطلاع للرأي حول قوة الأحزاب الإسرائيلية أية مفاجأة، فأحزاب اليمين بزعامة نتنياهو تحصل على 59 مقعداً، أما الأحزاب المشاركة في حكومة بينيت فتحصل على 54 مقعدًا في حين تحصل القائمة المشتركة على 7 مقاعد، إلا أن الجديد في هذه النتائج وخلافًا للاستطلاعات السابقة فإن الحزب الحاكم الذي يقود الحكومة - حزب يمينا – لم يتجاوز نسبة الحسم.
منذ وقت طول نسبيًا، لم تنظم معاهد وأبحاث الاستطلاعات في إسرائيل استطلاعاً للرأي حول قوة الأحزاب على اختلاف تشكيلاتها، إلا أن هذا الاستطلاع يأتي في وقت مدروس تماماً، ونقصد هنا بداية الحديث عن نهاية حكومة بينيت وهي نهاية مدروسة أيضًا، وهذه المرة عن طريق انقلاب رئيس الحكومة على حكومته، بحيث لا يتسلم وزير الخارجية الحالي لابيد رئاسة الحكومة وفقًا لاتفاق التناوب خلفًا لبينيت، وذلك بالضبط في استنساخ لانقلاب نتنياهو على شريكه السابق غانتس، عندما تم إسقاط الحكومة لكي لا يصل هذا الأخير إلى رئاستها خلفًا لنتنياهو وفقًا لاتفاق التناوب بينهما، يتكرر إفشال اتفاقيات التناوب من جديد مع استنساخ بينيت تجربة معلمة وغريمه نتنياهو، والغريب أن غانتس يغيب عن الوعي مجددًا، إذ لا تكفيه تجربة مع خداع نتنياهو له ذلك أنه ورغم الحديث المتواتر عن انقلاب بينيت إلا أنه يصرح مستبعدًا هذا الانقلاب، وكأنه يكذب ما تردد على نطاق واسع حول أقوال أدلى بها رئيس الحكومة في كواليس اجتماعاته داخل حزبه وخاصة مع وزيرة الداخلية شاكيد من أنه ليس من المحتم أن يصل لابيد إلى رئاسة الحكومة بعد عامين، هذا التصريح الذي أدلى به لقناة «كان» العبرية يستبعد حل الحكومة رغم الخلافات بين كتلها، معربًا بسذاجة متناهية عن يقينه أن كل الأحزاب المشاركة في الائتلاف الراهن ستنفذ ما تم التوقيع عليه.
التقرير الذي كشفته القناة 12 يشير إلى تفاصيل محادثات مغلقة لبينيت أشار فيها إلى أنّ احتمال فشل اتفاق التناوب الموقع مع زعيم «هناك مستقبل» وزير الخارجية يائير لابيد أمرًا مرجحًا، ونقلت القناة عنه بشكل لا يقبل التأويل قوله: هناك فرصة جيدة ألا يتحقق التناوب وأقدر أنه لن يتم، ويشرح بينيت قائلًا أنه من المحتمل أن تنهار الحكومة في الفترة الواقعة بين إقرار الميزانية وتاريخ الصرف لأسباب متعددة، وكأنه بذلك يشير إلى السيناريو الذي من خلال سيطيح بالحكومة بهدف عدم وصول لابيد إلى دوره في رئاسة الحكومة.
وجدير بالملاحظة أن بينيت تحدث عن الأمر باعتباره «فرصة» و»فرصة جيدة» وإذا ما لاحظنا إضافة إلى ذلك أن شاكيد تحدثت وفقًا للقناة ذاتها إلى أن لابيد «شخص سطحي» وأن التناوب مع بينيت لن يحدث، وتزامن هذا التصريح إثر عرقلتها لقانون يمنع المتهم جنائيًا من تشكيل الحكومة والمقصود هنا نتنياهو، في وقت وافق بينيت على دعم القانون تأييدًا لجدعون ساعر صاحب اقتراح مشروع القانون، وهذا يعني أن شاكيد لا تزال تراهن على عودة نتنياهو في حال فشل اتفاق التناوب، كما يمكن فهم ذلك من نتائج الاستطلاع المشار إليه.
فمشروع قانون لمنع المتهم جنائيًا لتشكيل الحكومة من المرجح ألا يمر بسبب رفض شاكيد التي أخذت تغازل نتنياهو تحسبًا لما هو آت، الأمر الذي يهدد بالانشقاق داخل حزب يمينا الذي حتى في وضعه الراهن لن يتمكن من تجاوز نسبة الحسم، وهنا يأتي دور شاكيد التي من الواضح بدأت برسم سيناريو لدعم نتنياهو في تشكيل حكومة جديدة بعد سقوط الائتلاف الحاكم.
أما بينيت، فمن المرجح أنه يسعى إلى لإسقاط الحكومة بعد عرقلته مع وزراء ونواب آخرين، خطط لصرف الميزانيات والانقلاب في هذه الحالة على حكومته، محاولًا تصحيح ما اقترفه من أخطاء يعتبرها جمهور اليمين المتطرف أنها أدت إلى تصدعه كونه تحالفَ مع أحزاب الوسط واليسار، فإسقاط بينيت لحكومته يصحح الوضع الراهن كما يعتقد ويهدف من خلاله إلى استعادة ثقة اليمين المتطرف من جديد، لعله بذلك يتجاوز نسبة الحسم، خاصة مع تأييد أوساط يمينية له لا تتفق مع نتنياهو، إلا أن جملة من المتغيرات لابد وأن تحدث مع أوساط الخارطة السياسية في إسرائيل، الأمر الذي لا يمكن منعه الوثوق في هذه السيناريوهات والاحتمالات.