إسرائيل في ورطة سياسية، وفي حالة من التخبط في التعامل مع الملف النووي الإيراني، لأسباب كثيرة، أهمها: أولاً، أن قرار أي اتفاق نووي مع إيران ليس قراراً إسرائيلياً، وإن كانت إسرائيل تشكل عاملاً مؤثراً، أو الحاضر الغائب من خلال الدور الأمريكي، وهو الفاعل الرئيسي في التوصل لاتفاق. فالاتفاق الذي وقعته إيران مع مجموعة «5+1» في عهد إدارة ألرئيس أوباما عام 2015 تم التوصل إليه رغم معارضة إسرائيل، وكرد فعل ذهب يومها نتنياهو إلى الولايات المتحدة وخاطب لأول مرة الكونجرس مباشرة، من دون دعوة من إدارة أوباما، لكن هذا لم يؤثر في الموقف الأمريكي، وبقي الاتفاق قائماً وملزماً بتوقيع أطرافه، خصوصاً إيران.
وجاءت الفرصة لإسرائيل مع الرئيس ترامب الذي انسحب من الاتفاق، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل بممارسة استراتيجية العقوبات القصوى لعل النظام الإيراني يسقط من الداخل، وتضعف قدرته على دعم الحركات الموالية له، وتمويل تواجده في المنطقة، وخلال فترة إدارة ترامب حدث نوع من التناغم الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وتوافقت الرؤى حول كيفية التعامل مع النظام الإيراني، لتدخل العلاقات في سياق الحرب، أو المواجهة العسكرية الصغيرة والمسيطر عليها، باستهداف خبراء نويين إيرانيين، أو أماكن تواجد القوات الإيرانية في سوريا.
هذه الحالة لم تستمر مع إدارة الرئيس بايدن التي من أولوياتها الوصول إلى اتفاق من جديد مع إيران، وإن لم يكن اتفاقاً شاملاً فاتفاق مرحلي، أو انتقالي، وفي الوقت ذاته تتفادى فيه أية مواجهة عسكرية مع إيران. وهذا التوجه يلعب دوراً رئيسياً في تحديد سيناريوهات إسرائيل في التعامل مع هذا الملف، وهي سيناريوهات تحكمها محددات سياسية لا تستطيع إسرائيل أن تتحكم فيها، وهذه هي إشكالية الخيارات الإسرائيلية.
اقرأ/ي أيضاً: قانوني إسرائيلي يقترح خطة ثلاثية المراحل لحل الصراع
فالولايات المتحدة، وهي المحدد الرئيسي، لا تميل لخيار الحرب مع إيران، ولا دول الاتفاق النووي الأوروبية، ولا روسيا تؤيد هذا الخيار. لذلك، كان لا بدّ من العودة للاتفاق مع مراعاة ما استجد من تطورات سياسية في ما يتعلق بدور إيران ونفوذها في المنطقة، وتطور قدراتها العسكرية والصاروخية والنووية، والمحدد الثاني مرتبط بقدرات إيران العسكرية، وكذلك القوى العسكرية الأخرى العاملة تحت مظلتها، مثل «حزب الله» و«حماس» و«الجهاد» و«الحوثيين» و«الحشد» في العراق.
وهذا من شأنه أن يشكل عائقاً أمام الذهاب للخيارات العسكرية. ثم هناك سؤال: هل تستطيع إسرائيل الذهاب لخيار الحرب الشاملة مع إيران من دون دعم شامل وتغطية استراتيجية من الولايات المتحدة، إضافة إلى الحسابات الاستراتيجية الأخرى وقدرة إسرائيل على تحمّل ضربات صاروخية إيرانية يمكن أن تصل إلى أي مكان في إسرائيل، ما قد يتسبب بخسائر بشرية ومادية لا تستطيع إسرائيل تحمّلها. ثم إن هذا السيناريو لا يتوافق وتوجهات الإدارة الأمريكية التي تسعى للوصول لاتفاق نووي جديد متوازن يرضي الجميع. ما يعني اتفاقاً على مصالح الجميع، واستبعاد قانون أو فخ ثيوسيديدس بين إسرائيل وإيران، في ما يتعلق بقانون حتمية الحرب.
إن أي اتفاق سيتم التوقيع عليه سيأخذ مصالح كل الأطراف المعنية به بدرجات متفاوتة.