أثارت الاحتجاجات في كازاخستان، قلقاً كبيراً في لدى القادة الإسرائيليين، لأن هذه الدولة المسلمة الثرية تعد مرتكزاً أساسياً لاستراتيجية وعلاقة إسرائيل بدول آسيا الوسطى، وهي علاقة تحقق لتل أبيب العديد من المنافع الاستراتيجية.
والمعلن في علاقة إسرائيل بدول آسيا الوسطى وأذربيجان أقل من الخفي فيها، فهي علاقة اجتمعت فيها أهداف النخب الحاكمة ذات الجذور الشيوعية في هذه الدول مع مصالح تل أبيب.
ومنطقة آسيا الوسطى تمثل ساحة للتنافس الاستراتيجي على الصعيدين الإقليمي والدولي، وذلك نظراً لأهميتها الجيوسياسية الكبيرة، فضلاً عن كونها تطل على بحر قزوين الغني بالنفط والغاز.
وبعد استقلال هذه الدول إثر انهيار الاتحاد السوفييتي سارعت إسرائيل لمحاولة نشر نفوذها في منطقة آسيا الوسطى وأذربيجان والتغلغل فيها، وكانت لديها استراتيجية متكاملة، حيث سخرت كافة الوسائل الاقتصادية والسياسية والعسكرية والاستخباراتية وأيضاً الثقافية من أجل النفاذ إلى دول المنطقة لإقامة شراكة استراتيجية معها.
وبينما اهتمت إسرائيل منذ وقت مبكر باختراق هذه المنطقة نجد أن الدول العربية قد تأخرت كثيراً في الاتصال والتعاون مع دول آسيا الوسطى، نظراً لعدم وجود رؤية واستراتيجية محددة ومدروسة تجاه هذه الدول، الأمر الذي أفضى في مجمله إلى محدودية الحضور العربي في هذه المنطقة.
علاقة إسرائيل بدول آسيا الوسطى تسعى لتطويق العرب
الهدف الأساسي من علاقة إسرائيل بدول آسيا الوسطى وأذربيجان، تعود جذوره لاستراتيجية إسرائيلية قديمة هي توثيق العلاقات الإسرائيلية بالدول المحيطة بالعالم العربي، للقفز على ما تعتبره إسرائيل حصاراً عربياً، وذلك بطبيعة الحال قبل أن تتهافت الدول العربية مؤخراً على التطبيع مع إسرائيل.
علاقة إسرائيل بدولة آسيا الوسطى وأذربيجان بدأت فور استقلال هذه الدول على إثر انهيار الاتحاد السوفييتي في ديسمبر/كانون الأول 1991.
وسعت إلى تقوية علاقتها بهذه الجمهوريات لأسباب دينية واقتصادية وسياسية وعسكرية.
اقرأ/ي أيضاً: أمريكا تتحفظ على خط أنابيب غاز شرق المتوسط
فبالإضافة إلى أن إسرائيل تعد بوابة مثالية لأي دولة معزولة أو منبوذة تريد التقرب لأمريكا، فإنها في الوقت ذاته تقدم فرصاً للتعاون للعديد من الدول غير المتقدمة سواء في مجالات الزراعة خاصة في مناطق تعاني من قلة المياه مثل دول آسيا الوسطى.
كما تقدم تل أبيب فرصاً في المجال الأمني والاستخباراتي والتجسسي وهو أمر ملائم تماماً لدول تحكمها أنظمة مستبدة مثل منطقة آسيا الوسطى.
وإضافة إلى التكنولوجيا، فإن مبيعات السلاح تظل واحدة من أهم أدوات الإغراء الإسرائيلية، وهو ما يظهر بشكل واضح في حالة أذربيجان، وهي الجمهورية السوفييتية الإسلامية ذات الصلة الأوثق والأوضح مع إسرائيل.
اعتمد في البداية على الاقتصاد
اعتمدت الاستراتيجية الإسرائيلية لاختراق دول آسيا الوسطى على التركيز في المرحلة الأولى على التغلغل الاقتصادي، من خلال إقامة المشروعات العملاقة وتقديم المساعدات الاقتصادية وتوقيع الاتفاقيات الاقتصادية معبدة الطريق أمام الشركات الإسرائيلية ورجال الأعمال الإسرائيليين لدخول تلك الجمهوريات، هذا بالإضافة إلى تقديم إسرائيل نفسها كوسيط نشيط لجذب رؤوس الأموال الغربية والأمريكية إلى تلك البلدان، وفتح أبواب واشنطن وغيرها من العواصم الغربية أمامها.
فبعد أقل من ثلاثة أشهر على انهيار الاتحاد السوفييتي كانت إسرائيل قد نظمت في طشقند عاصمة أوزبكستان أكبر جمهوريات آسيا الوسطى سكاناً، أول مؤتمر اقتصادي مشترك بينها وبين دول آسيا الوسطى في مارس/آذار 1992 لبحث احتياجات تلك الدول من المشروعات والمساعدات الاقتصادية والدور الذي يمكن أن تقوم به إسرائيل في تلبيتها. وخلال الشهور والأعوام التالية كانت هذه المشروعات قد بدأ يجري تنفيذها بالفعل، حسبما ورد في تقرير لمجلة "شؤون عربية" التي تصدر عن الجامعة العربية.
وبعد عام 1992 أبرمت إسرائيل مع دول آسيا الوسطى عشرات الاتفاقيات في مجالات: الزراعة والسياحة والثقافة وجذب الاستثمار ومنع الازدواج الضريبي وتخفيض الجمارك، والتعاون الفني… وغيرها، فضلاً عن الجولات الخارجية السنوية التي يقوم بها وزراء خارجية إسرائيل، علاوة على قيام إسرائيل بتنظيم مؤتمر سنوي يفد إليه وزراء المياه في هذه الجمهوريات للتباحث حول اقتصادات التعاون الزراعي والمائي المشترك مع إسرائيل، حسبما ورد في تقرير لصحيفة الخليج الإماراتية.
كما ركزت إسرائيل على إقامة علاقات دبلوماسية مبكرة مع هذه المنطقة من خلال فتح سفارات لها في هذه الدول. هذا بالإضافة إلى تبادل الزيارات الرسمية بهدف ترسيخ العلاقات السياسية بين الجانبين. فعلى سبيل المثال قام "نور سلطان نزار باييف" رئيس جمهورية كازاخستان بزيارة إسرائيل في فبراير/شباط عام 1993 بناءً على دعوة من حكومة "رابين" التي سعت إلى إقامة علاقات وثيقة مع جمهورية كازاخستان. وفي عام 1994 قام نائب رئيس الوزراء التركمانستاني بزيارة رسمية إلى إسرائيل، وقام وقتئذ "شمعون بيريز" برد الزيارة. كما دأبت إسرائيل أيضاً على المشاركة في قمم دول آسيا الوسطى.
وسبق أن زار رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو أذربيجان وكازاخستان.
النووي الكازاخستاني
منذ استقلال جمهوريات آسيا الوسطى، كانت المسألة النووية تقلق إسرائيل، فلقد كانت كازاخستان إحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتي القليلة التي ورثت على أراضيها أسلحة نووية، وهو ما كان يقلق إسرائيل التي تعتبر أي دولة إسلامية تمتلك أسلحة نووية خطراً عليها، وتسربت تقارير أن إسرائيل تعد نفسها لأن تصبح قوتها العسكرية قادرة على الوصول ليس فقط إلى باكستان النووية، بل إلى كازاخستان التي استقلت عام 1991 ولديها ترسانة نووية كبيرة، ولم تكن تعرف تل أبيب بعد موقف الدولة الجديدة من الصراع العربي الإسرائيلي.
ولكن سرعان ما سلمت كازاخستان أسلحتها النووية إلى روسيا، ولكن عين إسرائيل على قدراتها النووية ظلت مستمرة، فبالبلاد تمتلك واحداً من أكبر احتياطات العالم من اليورانيوم.
اقرأ/ي أيضاً: ابنة الرئيس الإيراني الأسبق: بلدنا قتل من المسلمين أكثر مما فعلت إسرائيل
وسعت إسرائيل مباشرة إلى شراء مجمع لمعالجة اليورانيوم في كازاخستان والذي يعتبر من أكبر مجمعات اليورانيوم في العالم وأثناء تلك الصفقة أثير الكثير من التساؤل حول مدى مصداقيتها لأن الأرقام التي ذكرت ثمناً لها هي أرقام قليلة جداً بالنظر لأهمية هذا المجمع.
تقول صحيفة Haaretz الإسرائيلية إن القادة الإسرائيليين ينظرون إلى الاضطرابات والصراعات على السلطة في كازاخستان بقلق، حيث تعد كازاخستان مصدراً مهماً للنفط إلى إسرائيل وسوقاً مربحاً للأسلحة الإسرائيلية.
ويقول الخبراء إن كلا الشراكتين تكتنفهما السرية ولكنهما مهمتان من الناحية الاستراتيجية بالنسبة لتل أبيب.
ويقدر غابرييل ميتشل، زميل السياسة في المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية، أنه من 10 إلى 20% من النفط الإسرائيلي المستورد يأتي من كازاخستان، وكانت هناك أوقات وصلت فيها إلى 25%.
ومبيعات الأسلحة الإسرائيلية إلى كازاخستان صغيرة نسبياً، لكنها مهمة، وفقاً لصحيفة Haaretz.
فعلى الرغم من أن كازاخستان تشتري أسلحة من إسرائيل أقل مما تفعل أذربيجان، إلا أن ثروة الطاقة في كازاخستان تمنحها المال للإنفاق.
ووقَّعت إسرائيل وكازاخستان اتفاقية دفاع في عام 2014، لم يتم الكشف عن تفاصيلها مطلقاً، ولكن يبدو أنهما تتعاملان بشكل أساسي مع مبيعات الأسلحة.
وقامت جميع شركات الإسرائيلية الكبرى العاملة في المجال العسكري ببيع منتجات للقوات المسلحة والشرطة في كازاخستان، بما في ذلك الطائرات بدون طيار والصواريخ الدقيقة وأنظمة الرادار ومعدات الاتصالات.
في مايو/أيار 2021 الماضي، بدأ مصنع ومركز خدمة تديرهما شركة صناعة الطيران الكازاخستانية في إنتاج طائرات مسيرة إسرائيلية بموجب ترخيص من شركة Elbit Systems الإسرائيلية، حسب Haaretz.
وعلى عكس أذربيجان وتركمانستان، لا تحد كازاخستان الحدود مع إيران، وبالتالي فهي أقل أهمية استراتيجية بالنسبة لإسرائيل في هذا الملف.
كما برزت كازاخستان أيضاً كسوق لأدوات الأمن السيبراني – وأشهرها تلك الخاصة بمجموعة NSO الإسرائيلية، صانع تكنولوجيا برامج التجسس الذي تعرض لانتقادات دولية وأمريكية مؤخراً.
في الشهر الماضي، وجد تحليل الطب الشرعي الذي أجراه مختبر الأمن التابع لمنظمة العفو الدولية أن الهواتف المحمولة لما لا يقل عن أربعة نشطاء ينتقدون الحكومة في كازاخستان قد ثبت أنها مصابة ببرنامج NSO.
قامت شركتان إسرائيليتان أخريان، هما Verint Systems و Nice – في الماضي على الأقل – ببيع أنظمة المراقبة لوكالات الأمن في آسيا الوسطى، بما في ذلك الشركات الكازاخستانية.
يقول كيفين ليم، محلل مخاطر الدول الرئيسي في الشرق الأوسط في IHS Markit، إنه من الناحية الدبلوماسية، تحتاج كازاخستان إلى إسرائيل أقل مما كانت عليه في الماضي.
في التسعينيات، لعبت إسرائيل دوراً مهماً في جهود الدولة التي كانت المستقلة حديثاً لترسيخ نفسها في المجتمع الدولي بسبب علاقات تل أبيب القوية مع الولايات المتحدة والقوة المتصورة للوبي والأعمال اليهودية.
وتظل كازاخستان وخاصة أذربيجان الركائز المزدوجة للانخراط الإسرائيلي في الفضاء الإسلامي للاتحاد السوفييتي السابق، حسبما يقول كيم.
ورغم ذلك لم تطور علاقات إسرائيل التجارية كما كان متوقعاً مع كازاخستان، خاصة في ضوء فشل طموحات كازاخستان المبكرة في التنويع بعيداً عن النفط، والتي كان من الممكن لإسرائيل أن تلعب دوراً فيها من خلال نشر التقنيات الزراعية وغيرها، إلى حد كبير.
وفقاً لأرقام صندوق النقد الدولي، بلغت التجارة البينية بين البلدين حوالي 370 مليون دولار العام الماضي، بانخفاض عن 1.6 مليار دولار في عام 2014، مع نصيب الأسد من هذا يأتي من النفط.
يقدر دانيال تارتاكوفسكي، المدير التنفيذي لجمعية الأعمال الكازاخستانية الإسرائيلية، أن هناك حوالي 140 شركة تضم إسرائيليين مسجلين في كازاخستان، وتعمل بشكل رئيسي في الزراعة والأدوية والطاقة والبناء.
ومنطقة آسيا الوسطى التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي حتى عام 1991، تتشكل من خمس دول ذات غالبية مسلمة هي: أوزبكستان، كازاخستان، طاجيكستان، قرغيزستان، تركمنستان.
والجمهوريات الخمس أغلب سكانها من المسلمين على المذهب السني وتتحدث لغات تنتمي للعائلة التركية، باستثناء طاجيكستان التي تتحدث لغة تعد فرعاً من الفارسية، وهي ذات أغلبية سنية وليست شيعية مثل إيران.
بينما أذربيجان ليست جزءاً من هذه المنطقة بل تقع في القوقاز، ويفصل بينها وبين آسيا الوسطى بحر قزوين من الشرق، وإيران من الجنوب، ولكنها كثيراً ما تربط في الدراسات السياسية والثقافية بآسيا الوسطى بحكم أنها جمهورية إسلامية كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي، كما أنها تتحدث إحدى اللغات المنتمية للعائلة اللغوية التوركية أو التركية، وتعد لغتها الأقرب لتركية تركيا، علماً بأن أذربيجان دولة ذات غالبية شيعية مع وجود أقلية سنية كبيرة.