رغم قسوة أثر وتأثير اتفاقات «أبراهام» على الشعب الفلسطيني، إلا أن القيادة الفلسطينية ومعها شعبها، كتمت الغيظ وأمسكت على الجرح؛ خشية أن ينفرط عقد الإخوّة العربية، والتمست العذر للأخ الذي فكر في نفسه ومصلحته بشكل أناني، دون أن يضحي ولو بالقليل من الصبر من أجل نصرة أخيه المظلوم والمكلوم من قبل عدو ظالم، وقد «تفهمت» القيادة الفلسطينية ومعها شعبها، أن هنالك أسباباً دفعت كلاً من الإمارات والبحرين لتوقيع تلك الاتفاقيات، التي أقل ما يقال فيها: إنها خرجت عن الموقف العربي، وإنها أرفقت توقيعها بالقول: إن ذلك قرار سيادي، ولم تنتظر حتى أن تحصل على الموافقة العربية، وأن تلك الأسباب لها علاقة بالخشية من جارتهما إيران، وأن إسرائيل قد استغلت تلك المخاوف، وعملت لهما من «البحر طحينة» كما يقال، وأن المغرب «طبّع» مع إسرائيل مقابل الاعتراف الأميركي بسيادته على الصحراء الغربية المتنازع عليها بينه وبين شعبها الصحراوي، فيما السودان، قد وافق على «التطبيع» مع إسرائيل، مقابل إسقاط اسمه من قبل الولايات المتحدة من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، وكذلك تحسين موقفه تجاه البنك الدولي، وفي مواجهة القضاء الأميركي الذي يطالبه بتعويض أهالي ضحايا طائرة أميركية سقطت واتهم السودان بالضلوع في عملية إسقاطها.
يتفهم الشعب الفلسطيني، إذاً، أن يقدم بعض الأشقاء العرب، لتقديم مصالحهم الخاصة، بالموافقة على فعل يلحق الضرر السياسي بالقضية الفلسطينية، مضطرين لذلك، أما أن يظهر بعضهم حماسه وشغفه بالعدو الإسرائيلي، وأن الأمر لم يكن كذلك، أي لم يكن بدافع الحاجة لتحقيق المصلحة الخاصة، فإن ذلك لا يعني إلا شيئاً واحداً، وهو أن بعض العرب عاربة، وأنهم لا يقفون مثل معظم العالم الحر إلى جانب المعتدى عليه، أو إلى جانب الحق، بل يناصرون أو يتحالفون مع «دولة مارقة»، بعض أهلها، وممّن هم على دينها يتهمونها عن وجه حق بالعنصرية، وكل العالم والقانون الدولي يقول: إنها دولة احتلال، وهذا يعني أن من يناصرها أو يشد على يد احتلالها وعنصريتها، إنما هو كمن يقدم الدعم لقطاع الطرق، واللصوص والقتلة، بل وللإرهابيين والمجرمين، متعددي الاختصاصات والاتجاهات والتوجهات.
اقرأ/ي أيضاً: المقاومة الشعبية.. إنجازات أكثر وخسائر أقل
حقيقة الأمر، أن كثيراً من مظاهر الشغف بإسرائيل وبالإسرائيليين، التي تخرج من مواطنين وإعلاميين وحتى من بعض المسؤولين في بعض الدول العربية، الخليجية خاصة، تثير الحنق والغضب، وما زال الشعب الفلسطيني يضبط أعصابه حفاظاً على ما تبقى من إخوّة عربية، تتلاشى لدى البعض، لكنها والحمد لله، ما زالت بخير لدى البعض الآخر، ولهذا فإن العدل والإنصاف يفرض علينا أن نقول لمن ما زال على عهده عربياً ثابتاً وأصيلاً: ليس شكراً فقط، بل أنت الأخ الشقيق عن حق، وليس كل الإخوة أشقاء، وليس كل الإخوة الزير سالم، بل إن بعضهم هو قابيل.
لا بد من الإشارة إلى أنه في عصر «البزنس السياسي»، قام مفوّض الاتحاد الأفريقي، الأثيوبي الجنسية، ومن وراء ظهر دول الاتحاد، بمنح إسرائيل صفة عضو مراقب في الاتحاد الإقليمي المهم، وفي أول اجتماع لوزراء الخارجية الأفارقة، قامت الجزائر ومعها جنوب إفريقيا الدولتان اللتان تعتبران نبراس التحرر العالمي من الاستعمار والعنصرية، واللتان تعرفان قسوته، بالتصدي لذلك القرار الذي أقدم عليه المفوّض بهدف الحصول على خدمات إسرائيل ضد المصلحة المصرية والسودانية في مياه النيل والمهددة بسد النهضة الأثيوبي، وذلك بتحريض الولايات المتحدة، لرفض مشاريع القرارات التي تلزم أثيوبيا بالحفاظ على مصلحة الدولتين العربيتين، والتي يمكن أن تصدر عن مجلس الأمن، كما سعت مصر والسودان قبل وقت، وفعلاً رفض مجلس الأمن أن يكون جهة التحكيم والفصل بين المتخاصمين.
قاتلت الجزائر، بلد المليون شهيد، من أجل الحرية، ونجحت نسبياً في عدم الموافقة على قرار المفوّض منح إسرائيل صفة المراقب في الاتحاد الأفريقي، لكن مجلس وزراء الخارجية أحال البتّ النهائي للقمة التي يحضرها قادة الدول، والتي ستنعقد في شباط المقبل، ورغم أن دول الاتحاد الأفريقي تعرف جيداً أن دخول إسرائيل الاتحاد الأفريقي، كما هو حال اتفاقات «أبراهام»، قد شجع إسرائيل ليس فقط على مزيد من العدوان على الشعب الفلسطيني في القدس والضفة وغزة، وليس كذلك بإطلاق العنان لعربدة المستوطنين، بل وعلى رفض العملية السياسية والتفاوض، بل ورفض حلّ الدولتين علناً، رغم التغيير الذي جرى في الإدارة الأميركية، وهذا يثبت ويؤكد أن تلك الإجراءات تجعل من احتلال إسرائيل لأرض فلسطين وشعبها أمراً أبدياً.
ويعرفون أيضاً أن الضرر الناجم عن دخول إسرائيل للاتحاد الأفريقي، لا ينعكس سلباً على القضية الفلسطينية وحسب، بل إنه سيعني نفخ النار الراكدة في النزاعات البينية بين الأفارقة، وفي نهب بعض ثرواتهم، فإسرائيل دولة متضخمة عسكرياً وتكنولوجياً، وتسعى من أجل التوسع الجغرافي والاقتصادي، على حساب الآخرين، لذا فهي تستهدف الخليج العربي، حيث القوة الشرائية بوجود الثروة، وأفريقيا حيث المواد الخام، والفقر والأرضية الخصبة للاستثمار بما في ذلك بالحقل العسكري، حيث من مصلحة إسرائيل اندلاع الحروب البينية في أفريقيا لبيع أسلحتها.
الغريب في الموقف حول عضوية إسرائيل كمراقب في الاتحاد الأفريقي، والتي كانت بنداً أساسياً على جدول أعمال وزراء خارجية الاتحاد، كان الموقف المغربي الذي لم يتوافق مع الإخوّة العربية، ولا مع كونها رئيس لجنة القدس في المؤتمر الإسلامي، وانفردت بموقف مفارق للدول العربية الأعضاء في الاتحاد الأفريقي، والغريب أكثر، هو أن الحكومة المغربية الجديدة بدأت عهدها بالموافقة على عدد من القرارات على طريق «التطبيع الفعلي والعملي»، هذا رغم أنها تعرف أن الشعب المغربي الشقيق قد عاقب الحكومة السابقة في الانتخابات لأنها وقعت اتفاق التطبيع مع إسرائيل، وانتخب هذه الحكومة لتتخذ موقفاً آخر!
كان على المغرب أن تقف مع الجزائر وجنوب أفريقيا ضد منح إسرائيل العضوية المراقبة في الاتحاد الأفريقي، كما فعل السودان، الذي أعلن رفضه لقرار موسى فكي أحمد، رئيس المفوضية الأفريقية بالخصوص، أو على الأقل اللجوء للصمت، دون أن تظهر بشكل رسمي، أنها تقاتل لصالح القرار، مع تلك الأقلية التي وقفت ضد الاقتراح الجزائري/النيجيري بإبقاء الوضع على ما كان عليه، وأن يرتقي ممثلها في الاتحاد الأفريقي إلى مستوى مركزية القضية الفلسطينية عند العرب، الذين قد يختلفون حول كل شيء، إلا على فلسطين، حتى إن كان ممثل الصحراء هو من تقدم بمشروع القرار الممانع لتسلل إسرائيل كلص مخيف للقارة السمراء.