عشية عملية اجتياح مدن ومخيمات وقرى الضفة عام 2002، أطلق أحمد قريع أبو علاء تصريحا قال فيه أن على  إسرائيل أن تستعد لخيار التعايش في دولة واحدة في حال مضيها في مصادرة الأرض والاستيطان، وها قد مر حوالي عشرون عاما على الفكرة من دون أن تتحول إلى مشروع سياسي يمكن العمل على تسويقه، ورغم هشاشة مبدأ التعايش بين المكونات الدينية والعرقية والثقافية الموجودة بين البحر والنهر، غير أن ثمة من يرى أن الدولة الواحدة قائمة بحكم الأمر الواقع، ودعونا نؤجل قليلا تفكيك هذه الرؤية.

في الحقيقة أن كل مجهود إعلامي ودبلوماسي قد بذل في سياق حل الدولتين، كان يتزامن مع جرافات الاستيطان تحت حماية الجيش الإسرائيلي كجيش احتلال، فلو تأملنا خريطة الضفة الغربية لوجدنا سرطان المستوطنات قد قضم أكثر من 40% من مساحة الضفة فيما يفترس جدار العزل العنصري والطرق الالتفافية 12% من مساحة الضفة، ثم تأتي مساحات ضخمة من "مناطق C" قد تم إشغالها بمواقع عسكرية أو محميات طبيعية لكي نستنتج بكل بساطة ضياع معظم المساحة الافتراضية للدولة الفلسطينية على حدود 1967، إضافة إلى حقيقة أن إسرائيل تسيطر على أكثر من 80% من مصادر المياه العذبة وهو ما يشكل تهديدا خطيرا لحياة سكان الضفة. يشار إلى أن الحديث عن الضفة الغربية يعني 21% من فلسطين التاريخية بينما لا يشكل قطاع غزة أكثر من 1.3% من إجمالي المساحة، وهي مساحة ضئيلة لا يمكنها أن تصلح لقيام دولة !

اقرأ/ي أيضاً: المطالبات بحل السلطة "طق حنك" أم برنامج يمكن تحقيقه؟

وعودة إلى رؤية أن الدولة الواحدة حقيقة قائمة بين البحر والنهر، ومن رأس الناقورة ونهاريا شمالا إلى رفح جنوبا، فإن السيادة شبه المطلقة على هذه الجغرافيا هي للجيش الإسرائيلي الذي يمتلك الجو والبحر وحتى في البر طالما امتلك أسلحة ذكية فتاكة تستطيع تدمير أي هدف.

إذا كانت الدولة تعني سيادة الجيش فهي شبه مطلقة داخل وخارج الخط الأخضر، أما اقتصاديا فعملة الدولة الأساسية هي الشيكل الإسرائيلي، ورغم تحقق أهم عناصر كيان الدولة الواحدة العسكرية والاقتصادية، إلا أن تشوهات واضحة تشوب الدولة من النواحي السياسية .. إنها دولة بحكم الأمر الواقع Defacto لكنها بالطبع ليست دولة مستقرة تنعم بالأمن كباقي دول العالم، إنها دولة يتناحر سكانها على امتلاك الأرض والمياه والمقدسات والحدود .. دولة كراهية وفصل عنصري وأبارتهايد، ولكي نوضح مفهوم الفصل العنصري فهو دولة تعيش بأنظمة مختلفة تميز بين سكانها مثل دولة الميز العنصري التي سقطت في جنوب أفريقيا، رغم أن الحالة الفلسطينية الإسرائيلية أشد تعقيدا، ذلك أن جنوب افريقيا كانت تعيش بنظامين فقط، واحدا للبيض والآخر للسود، لكن في حالة أبارتهايد إسرائيل فإن السكان ما بين البحر والنهر يخضعون لأربعة أنظمة .. يهود إسرائيل وعرب 48 والضفة الغربية وأخيرا قطاع غزة !!!

سيحتاج الفلسطينيون إلى عقود قادمة لكي يحصلوا على حقوقهم بالمساواة أمام القانون، لكن ليس قبل أن يدركوا أن إزالة إسرائيل من الوجود هو أمر صعب المنال إن لم يكن مستحيلا، وليس قبل أن يعي الإسرائيليون الصهاينة بأن وجود دولة يهودية في أرض يعيش عليها مسلمون ويهود ومسيحيون ودروز هو افتراض خيالي بعيد عن الواقع، وأنه لا سبيل إلا دولة واحدة لجميع سكانها على قدم المساواة وليست دولة ذات بعد ديني أحادي، فلو كانت إزالة إسرائيل فكرة خيالية فالمؤكد أن وجود دولة لليهود فقط هو أيضا أمر مستحيل وغير واقعي .. !!