بعيداً عن المناكفة، التي لا تغيب ولا تتوقف ولا نعدم لها وسيلة، التي خلقها تصريح أحد قادة الحرس الثوري الإيراني حول أن المقاومة في فلسطين هي أداة للدفاع عن الجمهورية الاسلامية الايرانية، فإن هذا التصريح يثير الشجن والحزن ويعود بنا إلى ماضي كان ناصعا تتلقى فيه حركات التحرر العالمية الدعم السياسي والمادي والمعنوي دون شروط ولا قيود. 

لماذا وصلت الحالة الفلسطينية إلى ما وصلت إليه في هذا المضمار، ولماذا تُضيق الفصائل الفلسطينية على نفسها وتُجعل منها ومن شعبها متسولين على باب هؤلاء اللئام.

اندثر الاتحاد السوفيتي العظيم وسقطت المنظومة الاشتراكية وسقط بسقوطهما الظهير الأول والأهم لكل حركات التحرر العالمية التي كانت تعطي بلا منية، وتساند بعيدا عن الحسابات الفئوية.

كانت تعتبر كل نضال حركات التحرر الوطني في العالم تصب في مجرى واحد وأن اختلفت الأشكال، معاداة الإمبريالية ومحاربة الاستعمار.

اقرأ/ي أيضاً: المتحدث باسم الخارجية الأمريكية: السلام يتطلب حلاً سياسياً وتفاوضياً متفق عليه بين الفلسطينيين والإسرائيليين

كانت تدعم حركات التحرر بعيداً عن أيدلوجياتها ومدى قربها أو بعدها عن الاشتراكية والماركسية.

في الساحة الفلسطينية، كان الدعم الأعظم، أسلحة، منح تعليمية، منح علاجية، دعم مادي، يذهب إلى حركة فتح و م ت ف ولم يكن ليذهب إلى الحزب الشيوعي الفلسطيني أو الجبهة الشعبية مثلا. اما سياسيا فالدعم كل الدعم إلى حركة فتح بصفتها قائدة م ت ف وقائدة النضال الوطني الفلسطيني. حتى في زمن الخلاف بين الفلسطينيين لم ينحاز السوفيت إلى الفصائل القريبة منه ايدلوجيا أو يغذي الخلافات في الساحة الفلسطينية ليجد له موطئ قدم فيها، كان التأييد كل التأييد للخط المركزي الذي تقوده حركة فتح.

باختصار، هزيمة معسكر التقدم والاشتراكية دفع بفصائل حركات التحرر العالمية بالبحث عن البديل الذي لم تجده الا بين اللئام الذين يقدمون دعمهم وفقا لشروطهم وحساباتهم الذاتية وتعليمات المخابرات العالمية والإقليمية. لقد باتت حركات التحرر الوطنية كالأيتام على مائدة اللئام، وفي نفس الوقت لم تعي هذه الحركات هذا التحول الخطير على الصعيد الدولي ولم تأقلم سياساتها وأساليبها النضالية مع هذا الواقع الجديد لتمنع التأثيرات السلبية التي تفرضها الجهات الداعمة الجديدة. 

إن عسكرة النضال الفلسطيني وتشكيل الكتائب والسرايا العسكرية واختيار الكفاح المسلح كوسيلة رئيسية للنضال فرض على الفصائل الفلسطينية التي اختارت هذا الطريق، بعيدا عن فاعليته ونتائجه ومردوده الوطني، فرضت هذه العسكرة على هذه الفصائل أن تتسول مرتبات ولقمة عساكرها وتنصاع لسياسة من يمدها بالسلاح والذخيرة والتدريب.

لقد أصبحت الفصائل الفلسطينية باختيارها هذا الأسلوب من النضال ليست فقط أسيرة له بل أسيرة للممول والمسلح والمدرب، أسيرة لسياساته وتحالفاته ونهجه وليس بعيدا أن تصبح يوما أسيرة لفكره.

إن الشعوب المناضلة التي ترزح تحت الاحتلال تواصل مقاومتها الطويلة وتختار من الأساليب ما يحقق لها أقصى النتائج واقل الضرر ويمنع عنها التبعية لهذه الجهة أو تلك، لذلك فإن الشعوب تعتمد في مقاومتها على ذاتها ولا تمد يدها إلى البعيد، لأنها تعرف انه على مائدة اللئام ليس هناك شيء بالمجان.

المقاومة الشعبية السلمية هي الأسلوب النضالي الأكثر ملائمة والأقل تكلفة مادية والأكثر فاعلية للظرف الفلسطيني، وهو الذي يحمينا من مد اليد إلى القريب والبعيد الذي يحاول أن يفرض شروطه ونهجه على مقاومتنا، كذلك يحمينا من كثير من التأثيرات السلبية لهذا الأسلوب النضالي، ليس أقلها عدم التدقيق في اختيار العناصر وسهولة الاختراقات الأمنية، هذا طبعا بعيدا عن ضعف الفاعلية ونتائجه العكسية على حياة الناس ومعيشتهم.

هنا سيطرح البعض سؤلا، وماذا عن السلطة الفلسطينية، الا تعيش هذه السلطة على الدعم الدولي والمنح من مختلف أقطار العالم. السلطة الفلسطينية تمثل مصالح الشعب الفلسطيني ومن حقها بل من واجبها أن تبحث عن هذا الدعم ومن واجب العالم ومصلحته أيضا أن يقدم هذا الدعم للفلسطينيين، لان استمرار الاحتلال الإسرائيلي وعدم حل قضية الفلسطينيين يؤثران على امن واستقرار كل دول العالم، إضافة إلى تأثيره على السلم والاستقرار الاقليمي والدولي.

النضال الفلسطيني طويل و معقد وحتى ننتصر لابد من الوحدة والاعتماد على الذات والحفاظ على مصالحنا وقرارنا الوطني المستقل.