اجتمعت الحكومة الإسرائيلية وهيئاتها العسكرية والأمنية والبرلمانية لدراسة تقرير صادر عن مركز ‏الأبحاث الإسرائيلي في الكنيست والذي نشر يوم 22/10/2021 والمستند إلى معطيات الشرطة و الجيش ‏وأجهزة الأمن، التقرير يفيد بأنه بعد أكثر من 54 عاما من الاحتلال وبعد 104 عاما من وعد بلفور ‏المشؤوم لا زالت القدس الأكثر رشقا للحجارة على جنود الاحتلال و غلاة المستوطنين، وأن عدد ملفات ‏الحجارة قد بلغ منذ عام 2015 2.679 ملفا مما يجعل مدينة القدس قائدة المقاومة وعاصمة الحجارة. ‏

الاجتماع الطارئ للمستويات الإسرائيلية المختلفة يعلن صدمته وخيبته وفشله من السيطرة على المقاومة ‏الفلسطينية في مدينة القدس المحتلة، فبالرغم من فتح أكثر من 7000 عملية تحقيق واعتقال بحق الشبان ‏والأطفال المقدسيين وزجهم في السجون إلا أن رشق الحجارة يزداد ويتصاعد ويتحول إلى هبات ‏وانتفاضات في وجه المستعمرين.‏

لا زال في القدس حجارة، الحجر يصيب عقل العسكريتارية الإسرائيلية، عقل الابرتهايد والتمييز ‏العنصري، الحجر يهدم الحدود الفاصلة في المدينة، الحجر يحطم نظرية الحلم الصهيوني في القدس ‏كعاصمة موحدة، الحجر يمنع انتزاع القدس من عالميتها ومكانتها ومن محيطها الفلسطيني، الحجر يوقف ‏آليات الهيمنة الديموغرافية اليهودية على القدس ومصادرة الأراضي المملوكة فلسطينيا. ‏

لا زال في القدس حجارة، تقذف من كل حارة وشارع وحي وميدان، من الأرض ومن السماء، لم يختف ‏المقدسيون، سقط مخطط محوهم وشطبهم وتهجيرهم وطردهم من مساكنهم واحيائهم وصلواتهم، يصرخ ‏الإسرائيليون ويرتعب المستوطنون: هناك حجارة، هناك أولاد ومقاليع وبنات ونكافات، القدس تكتب سيرة ‏الشعب الفلسطيني على حجر.‏

لم يفهم الإسرائيليون ما يختفي وراء تلك الأرقام التي أعلنوها في تقريرهم، لم يجيبوا على السؤال: لماذا ‏القدس الأكثر رشقا للحجارة؟ لكنهم يدركون أن هذه الحجارة المقدسية تتصدى لسياسة الاستيطان والتهويد ‏والعزل في مدينة القدس، تقاوم اقتحامات واستفزازات المستوطنين للاماكن الدينية وطقوسهم الشيطانية، ‏هذه الحجارة ورائها مرابطون غاضبون، غاضبون على هدم بيوتهم، غاضبون على اعتقال أبنائهم، ‏غاضبون على نبش عظام ورفات الجثث وتحويل المقابر إلى حدائق تلمودية، غاضبون على استباحة ‏دمائهم، غاضبون على مصادرة القدس من التاريخ ومن اللغة العربية، الحجارة المقدسية لها صوت وروح ‏ومعجزة إلهية.‏

القدس الأكثر رشقا للحجارة، وراء الأرقام جرائم حرب ممنهجة، انتهاكات جسيمة يوميا، استيطان ونهب ‏وقتل وسلب واعتقالات، إعدامات ميدانية، اقتحامات واعتداءات في باحة المسجد الأقصى المبارك، حواجر ‏وتفتيشات ومضايقات، شهداء ومعتقلون ومشبوحون ومعذبون في سجن المسكوبية، عبرنة الأسماء وتشويه ‏الجغرافيا والأمكنة، إغلاق المؤسسات المدنية، ابعادات واقامات منزلية، سياسة متواصلة من التهجير ‏العرقي تستهدف إخفاء السكان الأصليين وخنقهم وتهويد المدينة، لكن حجر القدس ينسف دبابة الفاتحين.‏

الحجارة المقدسية مجبولة بالألم والدم والعظم وجلدة الأرض، حجارة أرض الأنبياء، حجارة ترشق هؤلاء ‏الطغاة الذين يبحثون عن هيكل وتاريخ لهم لم يجدوه، حفروا وجرفوا وازدادوا قمعا وهستيريا كلما وجدوا ‏حجرا كنعانيا يقلع عين دراساتهم وأبحاثهم التواراتية، ينفي أي وجود لهم في الزمان والمكان وفي الحضارة ‏البشرية.‏

القدس الأكثر رشقا للحجارة، حجارة سماوية، حجارة لها لغة وكلام وأجساد وأغنية، حجارة لها فضاء أبعد ‏من جدار الفصل العنصري، حجارة لها أجنحة فلسطينية يحركها هواء التراتيل في الكنائس ودعاء ‏الصلوات في المساجد، حجارة الماضي والحاضر والمستقبل القادم والذاكرة. ‏

القدس الأكثر رشقا للحجارة، إنها رسالة للمحتلين والغزاة، القدس لن تكون ألا عاصمة للفلسطينيين، درة ‏التاج ومنبع الهوية، الحجر هو وعي الدفاع عن الكرامة وحق تقرير المصير، الوعي الذي ينتقل بين جيل ‏وجيل، الحجر المقدس يقرع أبواب العدالة الإنسانية، يرجم الخطايا وينتزع الحرية.‏

القدس الأكثر رشقا للحجارة، ثورة ضد الاحتلال والاضطهاد والعبودية، إطلاق قوة القدس الروحية، الإرادة ‏الإنسانية، تحرير الأرض من التهويد، تحرير الإنسان من القيود، تحرير الضمير العالمي من الخوف ‏المريب، تحرير كل عواصم الدنيا من الإرهاب اليهودي ومن النزعات الفاشية الصهيونية، تحرير السلام ‏من البطش الإسرائيلي وأزماته الوجودية.‏

القدس الأكثر رشقا للحجارة، الحجر يخرج من كل جدار وزنزانة، رائحة الليمون عالية فوق أسوار القدس ‏ينشرها منجنيق الحجارة، القدس عصية على المساومة والتطبيع والمقايضة، القدس تهتدي للنبع إن تكالبت ‏المؤامرات والصفقات وجف النبات، وتهتدي للوضوح إن احتشد الغموض والرصاص، الحجر يبني مدينة ‏في المدينة، يضيئها الصمود والبرتقال. ‏