تحاصرنا الحيرة ونحن نتابع ومضات الاستثمار بالقدس ، سعيا وراء تذوق ما تعطشنا له ، وقد حاصرتنا الحيرة بعد الاستماع للفكرة ومقارنتها بالواقع، فهل تحذو المؤسسات الوقفية والجمعيات الخيرية المقدسية خطوة ريادية نحو تعزيز الوجود المقدسي بالقدس وتروى عطشنا ، قبل عدة أيام تم الإعلان عن البدء بانشاء اول تجمع سكني بمدينة القدس على اراضي تملكها بطريركية الروم الأرثوذكس ، وبعد اكثر من 10 سنوات تمكنت الكنيسة الارثودكسيه المالكة للأرض من انتزاع قرار من البلدية يسمح ببناء 400 وحدة سكنية بالمدينة المقدسة بالشراكة مع شركة استثمارية فلسطينية.
مشروع بناء على مساحة 120 ألف متر مربع حي معاصر مكون من 400 وحدة سكنية في حي بيت حنينا: يروج له «إنه أكبر مشروع للعرب منذ العام »1967»
ما الغريب في هذا المشروع ، هل هذا اول مشروع فلسطيني بالمدينة المقدسة ؟ ألم يكن هناك مشاريع سابقة اقيمت بالقدس ، لقد اقيم العديد من المشاريع التجارية والإسكانية بالمدينة المحتلة خلال السنوات العشر الاخيرة، منها إسكان المهندسين الفلسطينيين ، والاطباء، والمعلمين، واحياء بجنوب وشمال المدينة وبعض الإسكانات التي تساوي بالحجم والعدد ما سيتم إقامته بالمشروع الجديد من قبل المستثمرين الفلسطينيين بالمدينة المحتلة، فلماذا تلك الضجة الإعلامية حول مكانة هذا المشروع الاستثماري؟
قد نتفق او نختلف في تحديد احتياجات المواطنين بالمدينة المقدسة مع الشركات المستثمرة ، وقد يستعد بعض المستثمرين للاستثمار بالقدس سعيا وراء مضاعفة استثماراتهم ، ولكن الواقع المقدسي يتمثل في نقص بعدد الإسكانات والإحتياج عال في صفوف الشباب الفلسطيني الذين يمثلون النسية الاعلى في عدد السكان، الذي يتمني ان يتملك منزلا في القدس بقيمة مالية معتدلة تمكنة من سدادها على الأمد الطويل، نحن نعلم ما مدى التكاليف الباهظة التي تفرضها سلطات الاحنلال على البناء بالمدينة المقدسة، لكن نحن نعلم ايضا ان الشراكة بين المؤسسات الوقفية الاسلامية او المسيحية بالمدينة المقدسة مع شركات استثمارية فلسطينية قد يقلل من قيمة الاستثمار ويوفر إقامة مساكن للمواطنين الفلسطينيين بقيم معتدلة ويعزز الوجود المقدسي الشبابي بالمدينة بعد الهجرة القسرية التى تتم يوميا الى مناطق خارج حدود المدينة المقدسة بحثا عن مأوى مناسب بأسعار معتدلة. فهل الاستثمار المنشود بالمدينة المقدسية يستهدف الفئة المتوسطة والادني ، ام يستهدف ذوي الدخل العالي ؟
تتعمد إسرائيلُ تصعيب الحياة على الفلسطينيين حين تخلق حالةً من الركود الاقتصادي في المدينة القديمة، وتطبق سياسات أخرى مثل سياسة هدم المنازل، وسياسة سحب الإقامات، وسياسة التمييز في توفير الخدمات حيث يدفع السكان الفلسطينيون الضرائب نفسها كنظرائهم اليهود ولكن مقابل خدمات أقل. وبموازاة ذلك، تواصل إسرائيل جهودها لتسريع استعمار القدس الشرقية، بما فيها البلدة القديمة، من خلال توسيع المستوطنات.
نسبة الفقر في مدينة القدس والتي وصلت إلى 76 بالمائة،والواقع أن نسبة الفقر بين الأُسر الفلسطينية في القدس الشرقية تزيد أربع مرات عن متوسط نسبة الفقر في إسـرائيل ككـل وتزيد كثيراً عن معدلات الفقر بين المواطنين العرب في إسرائيل، كما بلغت نسبة الأطفال الفلـسطينيين الفقـراء في القدس الشرقية 80 في المائة مقابل 43 في المائة من الأطفال اليهود ، ويعاني الفلسطينيون في القدس الشرقية من أزمة سكن، ويلجأ عدد كبير منهم إلى بناء منازل أو محال تجارية وغيرها من المنشآت من دون ترخيص من البلدية الإسرائيلية التي تمارس شتى انواع المماطلة في إعطاء التراخيص، أو رفض إعطائها مطلقاً بحجج مختلفة، بينما تقول البلدية إن هذه الأبنية تفتقر إلى معايير البناء القانونية، مع العلم إنه خلال عام 2020 ورغم ظروف جائحة كورونا فإن عدد المنازل التي هدمت في المدينة وصل إلى 197 منزلا، 77 منها أجبر أصحابها على هدمها ذاتيا. وبالتالي لدى أهل القدس مشكلة في الحياة اليومية، وليس باستطاعتهم شراء مثل هذه الوحدات السكنية مرتفعة الاسعار.
يسكن محافظة القدس المحتلة نحو 962 ألف نسمة، منهم نحو 542 ألف يهودي، وقرابة 420 ألف فلسطيني، نصفهم يحملون الهوية الزرقاء والنصف الاخر يحمل الهوية الخضراء، والفلسطينيون محرومون من الحقوق وتتعدد هوياتهم وجوازات سفرهم، والعاملون في قطاع التجارة والمطاعم بالقدس هم الأغلب وتقدر نسبتهم بنحو %27.5
التمكين الاقتصادي المنشود مقدسيا وتعزيز الصمود للمقدسيين يعرف بالعمل على توفير وافساح المجال و تسهيل أو اتاحة الفرص للفئات والشرائح المهمشة من ذوي الدخول المتدنية او المحرومة أو الأقل حظاً من الاندماج في المجتمع وتغيير واقع البؤس الاقتصادي والاجتماعي الذي تعيش فيه فئات وشرائح المجتمع المقدسي المحرومة بغرض إحداث نقلة نوعية في حياة المواطن المقدسي، وإقامة وبناء مشاريعهم الإنتاجية والخدمية المستقلة لتمكينهم من المشاركة بتعزيز وسائل تنفيذ وتنشيط الشراكة العالمية من أجل التنمية المستدامة، بالعملية الاقتصادية بمفهومها التنموي والاجتماعي وتعزيز مهارتهم وقدراتهم الإدارية والمهنية والعمل بشكل جماعي على تعبئة وحشد الامكانيات والطاقات المعطلة بغرض إعادة تشغيل الشباب في المجتمع. فالتمكين الاقتصادي المقدسي لا يعتمد على التبرع للعائلات بقوتهم اليومي، ولكن توفير مسكن اّمن لهم ويوفر الحياة الكريمة، نحن بحاجة ماسة لتمكين اقتصادي يرافقها تغييرات ملموسة على الواقع الاجتماعي والاقتصادي لهذه الفئات والجمعيات والشرائح مما يبقيها خارج العملية الانتاجية والاقتصادية وعنصر تسريب للموارد المالية المحدودة التي تتاح بين الفترة والأخرى.
رسالتنا لكل حريص على القدس والاستثمار بها:-
اولا:- أن يسعى نحو التمكين، وذلك بتوفير المسكن ومكان العمل للفئات الأفل حظاً والمهمشة بالمجتمع المقدسي.
ثانيا:- أن يؤدي استحداث مصادر بديلة لتـوفير التمويـل العـام للمستهلكين الأفراد وللشركات دوراً رئيسياً في جذب الاستثمارات في مجال السكن والبناء، وفي بيئة الأعمال عموماً، المطلوب من سلطة النقد ان تسعى نحو استحداث برنامج تمويلي خاص بالقدس.
ثالثا:- ان تقوم الاوقاف الاسلامية والمسيحية بالعمل على توفير الاراضي بمحيط مدينة القدس ، والسعي نحو الحصول على تراخيص بناء واستقطاب جهات تمويلية فلسطينية كصناديق السيادة الفلسطينية للاستثمار لصالح الفئات الأقل حظا بمجتمعنا المحلي المقدسي.
رابعا:- تعزيز النمو الاقتصادي المطرّد والشامل للجميع والمستدام للمقدسيين، وذلك بتوفير صندوق تمويلي تتمثل مهمتة الرئيسية تمويل مشاريع اسكانية بمدينة القدس .
خامساً:- تتسم المبادرات العاملة في القدس المحتلة في الغالب بأنها مجزأة ومفتقرة إلى رؤية واستراتيجية وطنية واضحة، لذا من المهم أن يضعَ الفلسطينيون خطةً للقدس، يتشارك الجميع بصيغتها.
فلنسعى جميعا لنعزز صمود المقدسيين ، وذلك ببناء قدس للشباب ، وليكن عنوان الحلم والتحدي بخلق واقع جديد يعيش المواطن المقدسي الأمن والأمان على ارضة ، لتصبح القدس لنا بالواقع.