بذلت حكومة بينيت جهوداً مثابرة؛ من أجل أن تؤكّد اختلافها الواضح والمتميّز عن حكومات نتنياهو التي استمرت في الحكم لأكثر من اثني عشر عاماً متواصلة، وفي محاولة منها لإبراز الفروقات بينهما فيما يتعلق بالعلاقة بين إسرائيل والإدارة الأميركية: علاقات متوترة ومتحدية وصاخبة في أحيان كثيرة في ظل حكومات نتنياهو والإدارة الديمقراطية مع ولايتَي كل من أوباما وبايدن، بينما هناك علاقات جيدة وقوية وتفاهمات مشتركة واحترام متبادل بين حكومة بينيت وإدارة بايدن.. لدرجة أنّ هذه الأخيرة لم تخفِ سعادتها لمغادرة نتنياهو رئاسة الحكومة والاحتفاء بقدوم بينيت الذي تلقى مباركة من بايدن بعد ساعتين من فوز حكومته بالثقة، بينما انتظر نتنياهو أكثر من شهر لتلقي مكالمة من الرئيس بايدن، إثر وصول هذا الأخير إلى البيت الأبيض.
وفي سبيل إبراز هذا الفرق، تبنّت حكومة بينيت إدارة الخلافات مع الولايات المتحدة بصورة سرية، ودون الدخول في مهاترات مع الإدارة أو مجلسَي الكونغرس، مع الأخذ بالاعتبار ضرورة تحسين علاقاتها بشكلٍ خاص مع الحزب الديمقراطي.
مع ذلك أكدت الأسابيع الأخيرة أنّه ليس هناك من فروق جدية في هذا الملف؛ مع ما يمكن تلمسه من توترات متزايدة ومعلنة بين حكومة بينيت وإدارة بايدن، والتي تظهر أكثر فأكثر إلى العلن رغم محاولة الجانبين التستر عليها، ذلك أنّ حكومة بينيت كانت في تقديرنا أكثر ذكاء في التعامل مع إدارة بايدن من حكومات نتنياهو المتعاقبة، مستفيدة من ذلك من عنصر بالغ الأهمية والتأثير على هذه العلاقات، ونقصد هنا تحديداً أنّ إدارة بايدن تبدي حرصاً جدياً على دعم صمود حكومة بينيت في وجه المعارضة الهائلة التي يقودها نتنياهو؛ باعتبار أنّ حكومة بينيت أكثر قرباً مع السياسة الأميركية فيما يتعلق بالمنطقة، خاصة ملف الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.
اقرأ/ي أيضاً: المقاومة الشعبية.. إنجازات أكثر وخسائر أقل
الأسابيع الأخيرة أظهرت أن بينيت - الذي لم يعرف عنه أنه أكثر ذكاءً من سلفه نتنياهو - تلاعب بإدارة بايدن، مستفيداً من هذا الحرص ودعمها المطلق له، وخشيتها من عودة نتنياهو مستثمراً بذكاء كبير هذا العامل، مع أنّ ثمن ذلك كان على حساب ما حاولت إدارته التأكيد عليه، وهو تحسين العلاقات الودية بين حكومته وإدارة بايدن؛ إذ إنّ هذه الأخيرة لم تتمكن من إخفاء حنقها ومعارضتها لملفات أساسية في سياسته، وظهر أنه لا فرق كما تدعي حكومة بينيت على هذا الصعيد مقارنة مع حكومات نتنياهو إلّا في الخطاب المعلن.
وراقبنا كيف تم هذا التلاعب قبيل مصادقة المجلس الأعلى للتخطيط والبناء في الإدارة المدنية على الخطط الاستيطانية الجديدة، فرغم الإعلان عن عدم إمكانية انعقاد المجلس بسبب إضراب العاملين فيه، كمبرر للتجاوب مع الضغط الأميركي وضرورة عدم تمرير المصادقة، تمّت العودة عن الأمر بعد ساعات قليلة، وتم عقد المجلس وتمرير المصادقة، ما زاد في توتير العلاقات الإسرائيلية - الأميركية، في وقت كانت إدارة بايدن قد أدانت بشدة قرار وزير الحرب الإسرائيلي بتصنيف مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية على قائمة الإرهاب الإسرائيلية، نظراً لعدم اطّلاعها المسبق على حيثيات هذا القرار.
لا يمكن الزعم أن هذه التوترات ترتقي إلى ما كان الأمر عليه في عهد نتنياهو، مع ذلك، فإن الفروق قد تراجعت مقارنة بالسابق، وخلافاً لمزاعم حكومة بينيت أنها باتت أكثر قرباً إلى إدارة بايدن مما كان عليه إبان حكومة نتنياهو، فإن ذلك لا يعود إلى متغيرات جوهرية في سياسة الحكومة الإسرائيلية، بل إلى الطرف الآخر أيْ إدارة بايدن، ذلك أنّ قوة حكومة بينيت لدى الإدارة الأميركية تعود إلى ضعف هذه الحكومة، وهنا نتلمس مفارقة غريبة ترسم معالم العلاقات الإسرائيلية – الأميركية في عهدَي كل من بينيت وبايدن، فالإدارة الأميركية في هذا الوضع المعقد تضطر إلى مهادنة حكومة بينيت؛ حفاظاً عليها وخشية من سقوطها، وهذا بالضبط يجعلها أكثر قوة في علاقاتها مع الولايات المتحدة، وتتيح لها قدرة أكبر على المناورة والتلاعب بالمواقف مستفيدة من ضعفها، ليصبح ذلك سر قوتها، خاصة مع الإدارة الأميركية.
في سبيل إبعاد نتنياهو عن الحكم، فإن إدارة بايدن تدعم، من حيث لا تدري، الذي استنسخه خليفته بينيت مع أكثر يمينية وعنصرية. وفي سياق ما أشرنا إليه، فإننا أبعد من أن تقوم إدارة بايدن بتنفيذ تعهدها بافتتاح القنصلية الأميركية في القدس؛ بعدما أكدت حكومة بينيت أنّ من شأن ذلك أن يؤدي إلى سقوطها. ومرة أخرى، إن ضعف وهشاشة حكومة بينيت سرّ مكانتها وقوتها الذي يحدد سلوك إدارة بايدن معها.