نقدر بداية ان عمليات ومحاولات ترميم السلطة الفلسطينية لن تفيد لأسباب موضوعية في مقدمتها:

١_ الوعي الجديد لدى مقاتلي الجيل الجديد
٢_ انخراط العديد من عناصر الأجهزة الأمنية في مجموعات المقاومة وتحولهم لقدوة ونموذج للجيل الشاب.
٣_ ثمة ما يؤشر الى فشل مشروع تغيير عقيدة جنود وضباط الأجهزة التي تقصر مهمتهم على ما سمي بمكافحة الإرهاب وان إسرائيل طرف صديق وليس عدو، ورفضهم لما خطط لهم بان يقتربوا من صيغة جيش لحد اللبناني العميل.
٤_ في ضوء ما سبق، فإن قدرة الأجهزة الأمنية وإمكاناتها من السلاح والعتاد و الدعم المالي، لا يمكنها حسم الصراع مع المجموعات المقاومة الخارجة عن السيطرة، حيث تعذر هذا الهدف على إسرائيل نفسها بكل قدراتها العسكرية والاستخبارية.
٥ _ ما يرشح من الجدل الأمني الداخلي في إسرائيل، يبدو ان هناك ارتباكا في اتخاذ القرار الذي تجمع عليه المستويات الثلاث الأمنية والعسكرية والسياسية من مسألة منع سقوط السلطة وأجهزتها، وتمكينها من الصمود في وجه الرفض الشعبي لوجودها كما اشارت اخر استطلاعات الراي، فالتخوف ان تتحول الأسلحة وافراد الأجهزة الان الى رافد جديد لمجموعات المقاومة، ولهذا فان الغالبية الحكومية وبعض قيادات الجيش تعلن صراحة انها لا تثق بالأجهزة الأمنية والعسكرية الفلسطينية.
٦_ بالمقابل، ثمة تيار اخر في المؤسسات الإسرائيلية يرى ضرورة اسناد السلطة امنيا وماليا وعدم السماح بسقوطها، لان البديل المستبعد ليس إعادة الاحتلال في الوقت الراهن، وانما ان تسيطر حماس والجهاد على مقاليد إدارة السكان، وبالتالي تتحول كل مقدرات السلطة بما فيها الاجهزة الأمنية ليد قوى تهدد إسرائيل.

في ضوء هذا الارتباك الإسرائيلي في مستويات القرار المختلفة، فان خيار إدارة تشبه روابط القرى والبلديات، يطرح للنقاش مجددا رغم فشله في ثمانينات القرن الماضي، لكن دون إعادة انتاجه عوائق كثيرة منها:

١_ قد لا تستطيع إسرائيل أن تجد من العملاء حتى من يعاونها ويشاركها في تطبيق منظومة إدارة محلية على غرار روابط القرى.
٢_ الوعي الجديد للأجيال الشابة، والذي مثله حالات المقاومة والفداء الفردية والجماعية، والذي يعبر عن تجاوزه لمشروع السلطة القائمة لقصورها عن تحقيق استقلال ناجز او قدرتها على حماية السكان من تغول المستوطنين، هذه الحالة لن تقبل بوكيل امني جديد، سيكون منبوذا ولا حاضنة شعبية او سياسية له. وسيعامل معاملة عملاء العدو واعوانه.
3_ وفي حال تمكنت إسرائيل من العثور على شركاء في هذا المشروع سيكونون مغمورين ضعفاء لا صلة لهم بشعبهم ...ولن يستطيعوا السيطرة على الأرض ولن يجدوا الادوات لتطبيق المشروع الإسرائيلي.

في ضوء هذه الحالة المعقدة ، وصعوبة انتاج بدائل لكيفية التعاطي مع خمسة ملايين فلسطيني ومعهم مليوني نسمة في مناطق 48 ، ومع موت حل الدولتين سريريا ، ورفعه من التداول لدى الغالبية العظمى من القوى السياسية الإسرائيلية ومن الثقافة السياسية السائدة ، ورفض الكل الفلسطيني لكيانية هشة اقرب الى الحكم الذاتي المحدود ، مع سلطة امنية مطلقة للإسرائيلي ، فان ما يتبقى للتداول خاصة مع تصاعد موجات المقاومة بأشكالها المختلفة فان الخيار الذي قد يتقدم بتسارع ، في ضوء انشغالات النظام الدولي والإقليمي بأولويات وجودية أخرى ، وهو الضم والتهويد الكامل .

بمعنى أوضح ان تتولى إسرائيل كل المهام الإدارية والامنية، بما يتيح استكمال عمليات التهويد والضم في ظل التجاهل الدولي والإقليمي. وفي المدى المنظور لا يبدو ان إسرائيل مهتمة بضم قطاع غزة لاعتبارات أيديولوجية وتوراتية وعملية.

في هذا الاطار يمكن فهم سياسة الترهيب والقتل والحرق المتكرر في قرى ومدن الضفة الغربية، بهدف اجبار السكان على الهجرة الطوعية، ومن يتبقى بحسب برنامج الصهيونية الدينية ورسولها الجديد سموتريتش ، سيكون في اطار الخدم والعبيد في دولة يهودية ، بحقوق فردية من الدرجة الثانية. وبحسب ذات البرنامج المنشور والمتداول منذ العام 2017 فان منح صفة المواطنة المنقوصة لسكان الضفة الغربية هو المطروح، والمعنى هنا باستبعادهم من الانتخابات التشريعية، وهناك تشريعات تعد لهذا الغرض، ويشمل ذلك الفلسطينيين في مناطق 48.

بالطبع لا يحفل سموتريتش ومعه تيار فاشي عريض داخل كل الأحزاب الصهيونية، بحقيقة ان إسرائيل تمضي بخطوات متدحرجة نحو نظام جديد للفصل العنصري، مهما كانت التسمية التضليلية بانه تقدم باتجاه مشروع الدولة الواحدة.

للاطلاع على المصدر اضغط هنا