كثيراً ما نادت المعارضة الفلسطينية لاتفاق "أوسلو" الرئيس محمود عباس بحل السلطة الفلسطينية، لعوامل متعددة منها وصول عملية السلام لطريق مسدود، وأنها أصبحت أداة في يد الاحتلال الإسرائيلي، في المقابل ورغم إعلان قيادة السلطة عن إحباطها من تجمد عملية السلام التي لم تفض إلى دولة فلسطينية كما هو مخطط له وفق اتفاق "أوسلو" (الاتفاق المرحلي)، بفعل تراجع دولة الاحتلال الإسرائيلي عن الاتفاقات الموقعة وعملها على تعزيز الاستيطان لاستحالة قيام دولة فلسطينية، إلا أنهم اعتبروا وجود السلطة هو مشروع فلسطيني جاء بعد سنوات طويلة من النضال وأن الحديث عن حل السلطة هو عبث.

ورغم أن خيار حل السلطة جرى الحديث فيه كثيراً على فترات مختلفة حسب الظروف السياسية، إلا أن أصحاب هذا الخيار لا يملكون البدائل فيما لو تم حلها، ولا تزال السلطة قائمة رغم ما فعلته إسرائيل من إضعاف لها، وابتزازها مالياً، وتحاول جاهدة بالطرق السلمية تطوير نفسها وخدماتها. 

الخيار الأصوب هو تطوير السلطة بدل حلها

ويقول أستاذ العلوم السياسية ونائب رئيس جامعة بير زيت غسان الخطيب لـ "أركان" :" أرى أن حل أو إنهاء السلطة هو ليس أمراً إيجابيا أبدا، والأجدر أن يكون الحديث عن تطوير السلطة، لأنننا نؤمن بأنه في المستقبل يجب أن تكون هناك دولة مستقلة والسلطة يفترض أنها هي خطوة أولى في هذا الاتجاه". 

ويضيف الخطيب:" أنه يجب العمل على إبقاء السلطة ودفعها للأمام لاستكمال مقومات الدولة واستكمال مقومات البقاء، وهذا هو الأمر المنوط بالسلطة الوطنية الفلسطينية رغم أنه ليس هذا ما يحصل الأن". 

وأعرب الخطيب عن اعتقاده بأنه لا يوجد احتمال في حل السلطة، لأن ذلك يعني أن جهات معينة من داخل السلطة تقوم بحلها، مشككاً في ذلك لأن القائمين على السلطة جزء كبير منهم يعتقد أن وجود السلطة هو مصلحة وطنية وجزء من داخل السلطة لهم مصلحة ببقائها، وبالتالي جميع من في السلطة معني باستمرار وجودها لذلك من الصعب أن تجد من يؤمن بحل السلطة. 

وأضاف الخطيب بأن تعزيز دور السلطة وتقويتها يكون عن طريق تعزيز شرعيتها وهذا يتطلب انتخابات دورية بشكل أو بآخر؛ وعن طريق تعزيز الترابط والتكامل مع الجمهور، مشدداً على أن هذا يتطلب أداءً من نوع أفضل فيما يتعلق بأدوار السلطة سواء الخدماتية أو التنموية أو أي أدوار أخرى. 

ونبه الخطيب إلى أنه  يجب على السلطة أن تضطلع بهذه الأدوار بطريقة تجعلها  أكثر في موضع ثقة ودعم واحترام من الجمهور فتطوير الأداء وتعزيز الشرعية هما الطريقين الرئيسين لتمكين السلطة من أن تتطور في الاتجاه الذي نراه.

ولم يغفل الخطيب احتمالية انهيار السلطة على ضوء تراجع الدعم الخارجي والاشكالات الداخلية مضيفا بأن هذا الاحتمال وارد. 

ويرى الخطيب أنه على الصعيد الداخلي هناك تراجع في القاعدة الشعبية للسلطة، وخارجياً فإن هناك جهات خارجية كانت تدعم وجود السلطة الآن دورها في تراجع ربما تراجع ليس دراماتيكي وإنما تدريجي. 

مجرد النقاش في خيار "حل السلطة" يعنبر عن حالة عجز

إلا أن عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير د أحمد مجدلاني لا يتفق مع ما قاله الخطيب في هذه الجزئية مشيراً إلى أنه ليس مع الذهاب بعيداً في تقدير الموقف بأن الفجوة كبيرة، لأن السلطة ليست معزولة عن شعبها وليست معزولة عن جمهورها والسلطة ككيان سياسي مثل أي كيان سياسي في العالم يواجه إشكاليات ويواجه معضلات سواء في بنيته أو في علاقاته الإقليمية والدولية. 

وتابع مجدلاني:" إذا اخذنا في عين الاعتبار أن توتر علاقاتنا الدولية والإقليمية هو بفعل الضغوط التي ما زالت تمارس لتقديم تنازلات التي تمس جوهر وحاضر ومستقبل قضية شعبنا ومستقبل قضية الحرية والاستقلال لشعبنا". 

وأردف مجدلاني بأن الازمات المتوالية سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي ليست هي بفعل أخطاء ترتكب وإنما هي نتاج طبيعي لحالة الصدام مع أعداء المشروع الوطني الذين يحاولون فرض إملاءاتهم وسياساتهم وبالتالي تغيير طبيعة ومضمون ووظيفة السلطة الوطنية الفلسطينية. 

وحول جدال حل السلطة، أكد مجدلاني بأن هذا الأمر من حيث المبدأ النقاش فيه يعبر عن حالة عجز وحالة افتقار للرؤية والإرادة السياسية. 

وأضاف:"  نحن بنينا هذه  السلطة باتفاق دولي على أساس أن تشكل المرحلة الأولى لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإلى انتقال شعبنا من الاحتلال الى الاستقلال ولم نبنِ هذه السلطة لتكون سلطة لتأبد الاحتلال، ولا نبني هذه السلطة كاتفاقية أو مرحلة استئجار من الاحتلال الإسرائيلي ولا أن نقوم بالنيابة عن الاحتلال الإسرائيلي".

وأكد مجدلاني أن السلطة الوطنية هي جزء من المشروع الوطني التحرري الانتقالي، وهي انجاز لشعبنا وهي أول كيانية سياسية فلسطينية تقام على الأرض الفلسطينية، وبالتالي هذا الخيار الذي يتحدث عن حل السلطة هو دعوة لذهاب شعبنا والمشروع الوطني إلى المجهول وليس له أي أفق للدعوة لمعالجة جدية لما بعد هذه السلطة. 

ودعا مجدلاني أصحاب هذا الرأي - ولهم الحق في التعبير عن رأيهم- إلى المراجعة والتدقيق السياسي في هذا الشعار لما ينطوي عليه من مخاطر تهدد مستقبل شعبنا وقضيتنا، لأن النضال الحقيقي هو تعزيز شروط الانتقال من السلطة إلى الدولة وتجسيد شروط الدولة الفلسطينية على الارض الفلسطينية تطبيقا لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة. 

وأشار مجدلاني إلى أنه بعد هذا النضال الطويل منذ تأسيس السلطة من الآن وتراجع وانقلاب الحكومات الإسرائيلية على الاتفاق الانتقالي والتهرب من مفاوضات الوضع النهائي، المسألة تكمن اليوم بالأساس في كيف نستطيع توفير المقومات والسبل وحشد طاقاتنا المحلية والإقليمية والدولية  لتجسيد الاستقلال والانتقال إلى الدولة تطبيقا لقرارات المجالس الوطنية والمركزية وانسجاماً أيضا مع قرارات الشرعية الدولية.  

ونبه مجدلاني إلى أن الاعتقاد بأننا وصلنا إلى طريق مسدود وبالتالي لا إمكانية للتقدم بمشروع السلطة هو شكل من أشكال عدم استشفاه واشتقاق أشكال نضالية جديدة في استخدام الممكنات لدينا التي يلتف شعبنا فيها حول السلطة ومؤسساته باتجاه إنهاء الاحتلال ودحره عن كافة الأراضي المحتلة بما فيها القدس. 

واعتبر مجدلاني أن إنجازات السلطة منذ قيامها سواء على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والقانوني وبناء المؤسسات جعلت منها مؤسسات دولة قائمة على أرض الواقع بانتظار تجسيد السيادة لدولة فلسطين. 

وعلى صعيد القانون الدولي، أوضح مجدلاني بأن القرار عام 2012 الذي أكد اعتراف العالم بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران والقرار الآخر وهو مهم في ذلك اعتماد العلم الفلسطيني، ولكن على صعيد المؤسسات الدولية وبموجب اعتراف العالم بدولة فلسطين منح لها الامكانية للانضمام للمؤسسات الدولية المختلفة بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية الذي نص قراراها في بعده القانوني على اعتبار كافة الأراضي الفلسطينية في أراضي عام 1967 أراض محتلة بما فيها القدس الشرقية. 

أعباء كبيرة تترتب على "حل السلطة"

بدوره شدد رئيس المكتبة الوطنية عيسى قراقع على أن قرارا حل السلطة ليس ردة فعل، بل هو بحاجة لدراسة معمقة من حيث الإيجابيات والسلبيات، والموضوع لا يتم بالارتجال. 

وتابع قراقع بأنه الأفضل من الدعوة لحل السلطة هو التوجه للضغط  على الاحتلال والزامه  بقرارات الشرعية والدولية والاتفاقات الموقعة، والعمل على عقد مؤتمر دولي من أجل إلزام "إسرائيل" للإيفاء بالتزاماتها وفق الاتفاقيات وقرارات الشرعية الدولية.

وأضاف قراقع بأن حل السلطة ليس مسألة مجرد كلام بل يترتب عليها كثير من الأعباء الاقتصادية والمعيشية خاصة أن السلطة أكبر مشغل للشعب الفلسطيني، وبالتالي في حالة أصبح هناك قراراً بأن السلطة لم يعد لها جدوى فهذا بحاجة لترتيب من جهات دولية ويحتاج تدخل دولي بالضغط على الاحتلال الإسرائيلي وتحميله المسؤولية. 

ورغم إقرار قراقع بمشروعية تساؤل جدوى وجود السلطة في وقت تقوم به دولة الاحتلال الإسرائيلي كسلطة احتلال بحكم مصير الشعب الفلسطيني وجميع مفاصل حياته، إلا أن الاحتلال عليه أن يتحمل مسؤولية الشعب الفلسطيني حتى في ظل وجود السلطة وإلزامه وفقا للقانون الدولي بتبعات احتلاله حتى لا يبقى احتلال بدون كلفة.

ويبقى خيار حل السلطة أحد الخيارات التي يتم الحديث فيها عبر وسائل الإعلام خاصة من حركتي حماس والجهاد الإسلامي، المعارضتين للسلطة الفلسطينية، واللتان تؤمنان بأن المقاومة هي الطريق الوحيد لتحقيق حلم الدولة وتحرير الأرض، علماً أن خيار المقاومة المسلحة تمارسانه في قطاع غزة، وخاضتا أربعة جولات عسكرية مع اسرائيل أسفرت في كل جولة مئات الضحايا والدمار، مع تشديد الحصار على قطاع غزة، الذي يعاني من أعلى نسبة في البطالة على مستوى العالم وتراجع الظروف الاقتصادية كافة.