النكتة السياسية تقول إن السوفييت اخترعوا فى زمانهم جهازًا لقراءة المستقبل، وأن الزعيم السوفيتى خروتشوف سأله عن شكل خريطة المنطقة المحيطة بالاتحاد السوفيتى فى مستقبل الأيام، فقال الجهاز إن الحدود الصينية الفنلندية ستكون هادئة تمامًا!.
وكانت نكتة سياسية لاذعة طبعًا، ولا بد أن خروتشوف قد أصيب بالذعر منها، لأن الصين لا حدود لها مع فنلندا أصلًا، ولأن وجود حدود صينية فنلندية مشتركة يقتضى أن تجتاح الصين أرض الاتحاد بالكامل!.. فالصين فى الجنوب الآسيوى، وفنلندا فى الشمال الأوروبى، وبينهما الاتحاد السوفيتى السابق الذى كان يتمدد فى أيامه على ٢٤ مليون كيلو متر مربع!.
والذين تابعوا وقائع الزيارة التى قام بها مؤخرًا، رئيس الوزراء الإسرائيلى نفتالى بينيت إلى روسيا، لا بد أنهم قد تذكروا معنى هذه النكتة إذا كانوا قد سمعوا بها من قبل!.
لقد عاد بينيت من موسكو يقول إنه تفاهم خلال الزيارة مع الجيران الروس فى سوريا، وأن روسيا صارت جارة لإسرائيل على الأراضى السورية، وأن هذا سوف يجعل القوات الإسرائيلية تستهدف الوجود الإيرانى فقط فى بعض مناطق سوريا!.
وقد كنا من قبل نحزن عندما نتابع التكالب الروسى التركى الإيرانى على أرض الأشقاء السوريين، وكنا نتابع الإسرائيليين والأمريكيين وهُم يزاحمون هذا الثلاثى على طول سوريا وعرضها.. ولكننا لم نكن نتخيل أن يأتى يوم تكون فيه الحدود الروسية الإسرائيلية حدودًا مشتركة، ولا أن يتطلع بينيت إلى الرئيس الروسى بوتين بوصفه جارًا له فى سوريا!.
وإذا كان كل اجتماع لوزراء الخارجية العرب يخلو من وزير الخارجية السورى، فمن الطبيعى أن تكون لروسيا حدود مشتركة مع إسرائيل.. وإذا كانت قمة دول الجوار مع العراق قد ضمت جميع الدول التى ينطبق عليها هذا المسمى إلا سوريا، فمن الطبيعى أيضًا أن تتحدث موسكو مع تل أبيب عن حدودهما المشتركة!.
سوريا لن ينقذها إلا أبناؤها.. والسوريون وحدهم مدعوون إلى أن ينتبهوا إلى هذا ويعملوا عليه.. ورهانهم يجب أن يكون على أنفسهم، اللهم إلا إذا استيقظ العرب على ثقل المعنى فى أن تكون الحدود مشتركة بين روسيا وإسرائيل لأول مرة!.