جماعة «الإخوان» تعيش الآن أزمة كبيرة وربما الأصعب على الإطلاق لأنها تشبه الزلزال، ما يهدد بانقسام عميق داخلها.

في الأيام الماضية خرجت الخلافات المكتومة إلى السطح بصورة غير مسبوقة، والآن يعلم الجميع أن هناك أكثر من جبهة داخل الجماعة، لكن الصراع يدور بالأساس بين جبهتين هما جبهة محمود حسين في إسطنبول التركية، وجبهة إبراهيم منير في لندن البريطانية.

الخلافات الفعلية بدأت قبل أسابيع حينما أسفرت انتخابات لجنة إدارة الجماعة عن تهميش مجموعة محمود حسين، ويوم الأربعاء الماضي صارت الخلافات علنية وسافرة، حيث قرر إبراهيم منير نائب المرشد العام، والقائم بعمله تجميد عمل المجموعة القيادية المتواجدة في إسطنبول، وهم: محمود حسين الأمين العام السابق، ومدحت الحداد ومحمد عبد الوهاب وهمام علي يوسف ورجب البنا وممدوح مبروك. ثم قرر إحالتهم للتحقيق في اتهامات بفساد مالي وإداري تمهيداً لفصلهم نهائياً باعتبارهم متمردين وخارجين عن طاعته.

المجموعة الأخرى رفضت قرارات إبراهيم منير وكثفت اجتماعاتها، وقررت في اجتماع لمجلس الشورى العام، عدم الاعتداد بقرارات منير، والاستقلال بأصول الجماعة وأموالها وأنشطتها الاستثمارية وممتلكاتها في تركيا وبقية البلدان، ثم قررت فصل وعزل منير.

وهي المرة الأولى في تاريخ الجماعة التي يتم فيها عزل وفصل المرشد أو القائم بعمله. الخلاف الرئيس بين المجموعتين يعود إلى أكثر من سبب، أوله بطبيعة الحال هو أن «الجماعة تعاني من الإخفاق في تحقيق أهدافها، وعدم الرضا عن الأداء العام لها، ما جعل التنظيم في مفترق طرق على حد تعبير القيادي فيها أحمد رامي، في حين يرى قيادي آخر، وهو جمال حشمت، أن سبب الخلافات هو أن الجماعة تعيش طوال السنوات الماضية حالة من الفشل العام والتعسف وسوء استعمال المؤسسات والتلاعب المستمر مالياً وإدارياً.

ما حدث في الأسبوع الماضي لم يكن مفاجئاً، فالانقسامات والانشقاقات موجودة داخل الجماعة منذ تمكّن الشعب المصري من إزاحتها من الحكم في 30 يونيو 2013.

والصراع يدور بشأن مَن يدير الجماعة، والأهم من يسيطر على أموالها وممتلكاتها، والنتيجة هي مزيد من التشرذم والانفصال التنظيمي، خصوصاً مع وجود حالات تمرد كثيرة بين قطاعات الشباب الموجودين في تركيا، الذين يرى بعضهم - وقد كتبوا ذلك بوضوح في صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي - أن قادتهم يرفلون في النعيم، في حين أنهم ينبشون حرفياً في صناديق القمامة، بحثاً عمّا يسد رمقهم.

وهناك قصص متنوعة لشباب فقد إيمانه وولاءه تماماً للجماعة، بسبب الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشون فيها بتركيا. إضافة إلى عودة بعض غير «الإخوان» من تركيا وروايتهم قصصاً مهولة عمّا شاهدوه هناك من تصرفات لقادة الجماعة خصوصاً بعد توقف معظم البرامج السياسية على قنواتهم، التي تبث من هناك على خلفية المحاولات التركية والقطرية للتقارب مع مصر.

القيادات من جانبها قررت التخلص مِن كل مَن لا يسير على هواهم، ولا يدين بالسمع والطاعة لهم، وهناك تقارير تفيد بأن بعض شباب «الإخوان» اليائس من جماعته، انضم لـ»داعش»، في حين أن بعض الشباب المحبوسين في السجون المصرية، أقروا قبل أيام بخطأ حساباتهم منذ العام ٢٠١٣، وهو الأمر الذي رفضه بالطبع قادة وكوادر الجماعة.

أحد المتابعين لأحوال الجماعة قال، قبل أيام: إذا كانت الجماعة والأجنحة المتصارعة فيها قد فشلت حتى في قيادة انقلاب ضد الجبهة الأخرى، فكيف كانت تتخيل أن تحكم بلداً كبيراً مثل مصر، بل وأن تحكم المنطقة بأكملها؟

في تقدير كثيرين أن الأزمة الحالية هي الأخطر على الإطلاق في تاريخ الجماعة، وهناك عامل مهم وهو أن الدولة المصرية نجحت بصورة لافتة في مواجهة «الإخوان» منذ العام ٢٠١٣ على جميع المستويات، ما عجّل بحالة التفكك والانقسام التي تعاني منه، وتلك قصة أخرى تستحق النقاش.