لم يكن يتخيل الشاب الفلسطيني محمود (27 عاماً) الذي قرر الهجرة بعد تفكير طويل من قطاع غزة، متجهاً إلى تركيا للعمل، أن دوافع الهجرة في غزة هي ذاتها في تركيا حيث لا يوجد فرص عمل متاحة كما يظن البعض، ويدرك أن تركيا هي قبلة المهاجرين إلى أوروبا وأنها حلقة وصل فقط، تتم تحت أعين أجهزة الدولة التركية.

وأوضح الشاب محمود، أنه قرر الهجرة من القطاع بعد أن ضاقت به الحياة لعدم وجود فرصة عمل له تمكنه من خلالها بناء مستقبله، رغم أنه خريج جامعي مميز.

ويروي زميل محمود في السكن أحمد لـ "أركان"، رحلته في تركيا وواقع الشباب المهاجرين وطرق المهربين وأساليب النصب التي يسوقوها على الشباب خاصة الفلسطينيين والسوريين والأكراد والأفغان.

ويؤكد أن تركيا ليست وجهة للهجرة مطلقاً نظراً لأن فرص العمل فيها محدودة ولا تستوعب الكم الهائل من المهاجرين، وأجورها بالكاد تكفي مصاريف شخصية إن حالف الحظ المهاجر.

وأوضح، أنه قبل أن يهاجر من القطاع في شهر فبراير الماضي، اضطر للاستدانة من أقاربه على أمل إعادة الأموال لهم بعد تمكنه من العمل في تركيا، لكنه اصطدم بواقع من سراب، حيث فرص العمل محدودة، وأن تركيا ما هي إلى نقطة للهروب إلى أوروبا عبر البحر أو البر.

ويقول المهاجر محمود، أنه التقى بمجموعة من الشباب وقرروا الهجرة معاً نحو أوروبا بأي طريقة من خلال المهربين الذين ينتشرون على المقاهي ليقدموا خدماتهم وإغراءاتهم للشباب الأجانب، ويرسمون لك رحلة التهريب إلى اليونان بأنها سهلة ولا تأخذ وقتاً مقابل مبلغ للشخص الواحد يتراوح ما بين 2000-7000 يورو حسب الطريقة التي سيتم التهريب بها، بقارب مطاطي، أو قارب كبير، أو يخت سياحي.

اقرأ/ي أيضاً: شباب غزة يفرون من البطالة واليأس فتأكلهم الأسماك

ويضيف، عرض عليهم أحد المهربين في شهر أبريل الماضي بأنه قادر على إيصالهم لليونان براً أو بحراً مقابل 2000 يورو للشخص الواحد، بشرط الوصول الآمن، وبالصدفة التقينا بشاب فلسطيني ينوي الهجرة الى اوروبا وعندما عرضنا عليه الفكرة كانت الصدمة بأنه تم النصب عليه من قبل المهرب نفسه الذي قدم العرض لنا وأخذ منه مبلغ 1500 يورو وعند ساعة الصفر موعد الهجرة الذي حدده المهرب، اختفى ولم يظهر له أثر، ليبحث عن ضحايا آخرين.

وتابع، أنه عندما تطرح فكرة الهجرة لأوروبا من تركيا أمام الشباب الأجانب (غير الأتراك)، تبدأ في سماع قصص يندى لها الجبين من أفعال المهربين من بينها، أن المهرب قد يحصل على المال من الشخص الذي يرغب في الهجرة، ويستخدمه المهرب طعماً لخفر السواحل اليونانية أو التركية، بحيث يجعلهم يستقلون مركباً ضعيفاً من حيث البنية والموتور، يكون المهرب على يقين تام بأنه لن يوصلهم إلى الشواطئ اليونانية ويلفت أنظار خفر السواحل اليونانية لإلهائهم بهذا القارب من المهاجرين، وفي نفس الوقت يقوم المهرب بتهريب مركب آخر أو يخت سياحي، بأموال أكبر من مكان آخر لا يلتفت له خفر الساحل اليوناني الذي تم إلهاؤه بالقارب السابق، الأمر الذي دفع الشاب محمود ورفاقه للتريث قليلاً والبحث عن شخص موثوق لا يعبث بأرواحهم.

وأوضح، أن ما حدث في القارب الأخير الذي كان يستقله نحو 150 شخصاً وغرق في البحر، جراء الحمولة الزائدة، وتغير الأحوال الجوية في البحر، واطلاق النار عليهم من قبل خفر السواحل اليونانية، وغرق العديد من الشباب بينهم ثلاثة من قطاع غزة، دفعهم للابتعاد كلياً عن الهجرة عبر البحر والبحث في طرق أخرى أكثر أماناً، لتحقيق الهدف بالوصول لأوروبا والعمل وإعانة أسرته بدلاً من أن يعود مرتدياً "الكفن"، كما حصل مع آخرين.

واستعرض المهاجر "محمود"، قصة اثنين من أصدقائه تمكنوا من الهرب في يخت سياحي بمبلغ 5000 يورو لكل شخص، وكان بين المتهربين امرأة وابنتها، وتلاعب بهم المهرب لنحو شهر ونصف الشهر وهو يوعدهم بموعد رحلة التهريب، وهو ما كلفهم مصاريف إضافية في فنادق أزمير التركية، وكان مجمل من استقلوا اليخت 13 شخصاً فقط، ووصلوا بسلام إلى الشواطئ اليونانية لكن القوات الخاصة اليونانية كانت في انتظارهم، مؤكداً أن المهربين كافة هم مجموعة من اللصوص والنصابين وكل ما يهمهم هو المال ولا يوجد لديهم ذرة من الإنسانية.

في ذات السياق، أوضح المهاجر "منار" سوري الجنسية، أنه عالق في تركيا منذ أربعة أعوام،  وتعرض لعملية نصب من قبل سماسرة الهجرة (المهربين)، حيث اتفق مع أحد المهربين على نقطة التقاء بعد أن أخذ منه مبلغاً من المال، وعندما التقى به في مكان مكتظ بالأشجار، استأذن منه المهرب نحو نصف ساعة، لجلب آخرين يريدون الهجرة في مركب واحد؛ ولكن المفاجأة كانت أن من جاء هم عناصر الشرطة التركية، وأشهروا السلاح في وجهه واصطحبوه إلى السجن لمدة 15 يوماً تعرض خلالها للإهانة والضرب وشح في المأكل والمشرب، وبعدها تم ترحيله إلى مخيمات على حدود سوريا، في ظروف قاسية.

ولفت "أحمد" إلى أن الفلسطيني الذي يتم ضبطه متهرباً، يتم حبسه والتحقيق معه جيداً للتأكد من أنه فلسطيني ويتم توجيه له أسئلة دقيقة حول أسماء محالات وشوارع ومعالم في المنطقة التي يدعي أنها كان يسكنها في فلسطين، ويمكن أن يتم سحب إقامته المؤقتة ويتم ترحيله خلال 15 يوماً.

الكوماندوز اليوناني في انتظار المهاجرين

ولفت أحمد إلى أنه على الجهة الأخرى، تتواجد اليونان سواء براً أو بحراً والتي هي مقصد المهاجرين، حيث تتواجد فرق الكوماندوز التي تتعامل بوحشية تامة مع الأطفال والنساء والشيوخ والشباب، ولا تفرق بينهم، وتضعهم في ظروف قاسية وفي غالب الأحيان يتم إعادتهم إلى تركيا، أي أنهم يعودون من عذاب إلى عذاب.

وأكد أن الظروف الحالية أكثر صعوبة من ذي قبل في طريق الهجرة، حيث إلى جانب الكوماندوز اليوناني هناك عصابات في الطريق البرية، تتلقف المهاجرين وتقوم بمصادرة أموالهم ومقتنياتهم ويتم تركهم في العراء دون تقديم أدنى مساعدة لهم.

وحول دور الأجهزة التركية في ملاحقة المهاجرين والمهربين، أكد منار الشاب السوري، أن المهربين منتشرون في كل مكان ويعرضون خدماتهم وإغراءاتهم على الأجانب لتسهيل مهمة الهجرة، وأن الحديث عن دور للأجهزة التركية في الحد من الهجرة ومكافحتها هو في الإعلام فقط، أما على أرض الواقع فهناك تعاون بين المهربين وأجهزة الأمن.

اقرأ/ي أيضاً: حتى إسرائيل.. تصدير الغاز في المنطقة لا يمر إلا عبر مصر

في ذات الاتجاه، أكد الكاتب بشير عبد الفتاح في مقالة له بعنوان "اللاجئون والمهاجرون كأداة للابتزاز الاستراتيجي"، نشرتها صحيفة الشروق المصرية، أن تركيا، التي تعد جسر عبور للمهاجرين إلى أوروبا، لا تتوانى في توظيفهما كوسيلة ضغط على الأوروبيين.

ويقول الكاتب، ما أن تتصاعد حدة التوترات بين الجانبين (تركيا وأوروبا)، أو تتعرض تركيا لانتقادات أوروبية بجريرة انتهاكاتها لمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، أو يجنح نظامها لاستجداء الدعم الغربي لسياساته المريبة حيال سوريا، حتى يهدد بإغراق الاتحاد الأوروبي بطوفان المهاجرين، الذين لا تجد أنقرة غضاضة في استقبال المزيد منهم لاستخدامهم في المناورة والمساومة.

فلطالما اتهمت اليونان جارتها التركية بدفع المهاجرين للأراضي اليونانية، بشكل ممنهج وغير قانوني، في انتهاك صارخ لاتفاقية عام 2016، التي أبرمتها بروكسيل مع أنقرة عقب تسلل أكثر من مليون مهاجر إلي أوروبا عام 2015، حيث تلتزم أنقرة بموجبها بكبح جماح قوافل المهاجرين واللاجئين إلى دول الاتحاد الأوروبي، مقابل ستة مليارات يورو، تضاف إليها 80 مليونا أخرى من بنك التنمية الأوروبي، توجه لبناء 65 مركزا طبيا جديدا للمهاجرين، وتزويدها بمعدات ومستلزمات صحة الطفولة والأمومة. علاوة على امتيازات سياسية أخرى، من قبيل: تسهيل ولوج الأتراك دول "اتفاقية شينجن"، وإحياء محادثات انضمام أنقرة للاتحاد الأوروبي، وتطوير الاتفاق الجمركي المزمن بين الجانبين.

وخلاصة طريق الهجرة، فإن أحلام اللبن والعسل التي يعتقدها المهاجر أنها ستتحقق، يصطدمون في الواقع بأنها رحلة عسيرة ومليئة بالمآسي وأن من ينجح في العبور الآمن فإن الحظ وحده هو الذي يخلصه من براثن هروات الكوماندوز اليوناني، بينما المهربون الأتراك يسرحون ويمرحون وينفذون جرائمهم تحت أعين متراخية من الأمن التركي.