فعل قوي مقصود، له دلالات سياسية عميقة، يقف خلف طرد سفيرة المستعمرة من كلية لندن للاقتصاد، طلبة الجامعة البريطانية، لم يكتفوا برفض حضور محاضرة السفيرة تسيفي حوتو بيلي، بل عملوا على تحريض طلبة كلية الاقتصاد، و»شرشحوها» وأذاقوها مُر الانحدار والسفه، وقلة القيمة، بما تستحق، ليس فقط بسبب مواقفها الشخصية المعروفة المعلنة، كحزبية متطرفة تنتمي لمعسكر نتنياهو في الليكود، بل وتقف على يمينه أكثر تطرفاً منه، ليس هذا فحسب بل تم طردها وتوبيخها، لأنها سفيرة المستعمرة، تتمسك بسياساتها وتدافع عن مواقفها، ممثلة لها في لندن العاصمة البريطانية.
بريطانيا أول البلدان الاستعمارية، التي تبنت الصهيونية فكراً وممارسة، وعملت على تنفيذ برنامجها، لجعل فلسطين وطناً للمستعمرة: بدءاً من وعد بلفور، مروراً بفرض كل الإجراءات والتسهيلات لتوطين الأجانب اليهود، وتمزيق المجتمع العربي الفلسطيني، وقمعه، وتدمير مؤسساته وإضعافها، لحساب مؤسسات أجنبية صهيونية يهودية وتوطينها، وتسليم فلسطين للمشروع الاستعماري التوسعي الصهيوني، اليهودي، الإسرائيلي.
بريطانيا، إلى جانب فرنسا، مع ألمانيا، صنعوا المستعمرة الإسرائيلية، قبل أن تتبناها الولايات المتحدة مالياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً ودبلوماسياً، وتقدم لها الحماية الكاملة للثبات والصمود والتطور والتفوق.
دور بريطانيا كان الأول، في ارتكاب جريمة بحق الشعب العربي الفلسطيني، ومن هنا قيمة وأهمية ما فعلوه طلبة كلية لندن للاقتصاد، فالمستعمرة على أرض فلسطين قامت بفعل مبادرة الصهيونية، وبفعل دعم بريطانيا وتبنيها لمشروع المستعمرة، ولذلك أن يبادر الطلبة البريطانيون، في طرد ممثل المستعمرة وسفيرتها، فهو فعل سياسي يؤكد حجم التفهم الأولي المتراكم من قبل البريطانيين باتجاهين:
أولاً: تضامناً وتفاعلاً ودعماً للشعب الفلسطيني، وإدراكاً لحجم الجريمة التي قارفتها بريطانيا بحق الفلسطينيين، على طريق إقرار بريطانيا بجريمتها وتقديم الاعتذار والتعويض للذين تضرروا من أفعالها المشينة.
ثانياً: رفضاً لسلوك المستعمرة الاحتلالي الإحلالي للمستوطنين على أرض الفلسطينيين، وعلى حساب وطنهم وحياتهم وكرامتهم.
تتسع تدريجياً مظاهر التأييد والتضامن الأوروبي، من قبل الشرائح التقدمية الديمقراطية لصالح الشعب الفلسطيني، وتتراجع تدريجياً مظاهر التأييد للمستعمرة.
ويعود ذلك لتفهم معاناة الشعب الفلسطيني، وتفهم مظاهر الفاشية وممارساتها العنصرية من قبل المستعمرة وأجهزتها وجيشها ومستوطنيها، وهذا التراكم بالاتجاهين لصالح الفلسطينيين وضد الإسرائيليين سيشكل عامل إسناد في اختصار الزمن لانتصار المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني، وتراجع المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي وهزيمته، رغم تفوق وقوة المستعمرة، وحينما ندقق نجد أن الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين وغيرهم هُزموا في مواجهة الشعوب التي تعرضت للظلم والهيمنة والتسلط، وهو ما سيكون في فلسطين، مهما بدت موازين القوى لمصلحة المستعمرة ونفوذها.