لأعوام طويلة، تسير أجزاء من اليسار على خط رفيع متعارض: من جهة، هناك الدعوة إلى المساواة فى الحقوق بين الشعب الإسرائيلى والشعب الفلسطينى من مواطنى/ات إسرائيل وسكان الضفة الغربية، ومن جهة ثانية، سيناريو رعب يتحدث عن أكثرية فلسطينية والدعوة المتكررة إلى الفصل وإقامة جدران بيننا وبينهم.

 وخطاب الانفصال عن الجانب الفلسطينى هو خطاب له بُعد شيطنة الجانب الفلسطينى، إذ يجب علينا البقاء بعيدين عن بعضنا البعض، لأن الاختلاط بين السكان يمكن أن يشكل خطرا على الهوية اليهودية للدولة، وعلى أمن مواطنيها ومواطناتها اليهود. لذلك، هم يدعون أنه يجب بناء الجدران وتعزيز الحدود. وذلك بهدف خلق واقع حد أدنى من التفاعل بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى. 

بالنسبة إلى أنصار اليسار، هذا الخطاب هو خضوع للسردية اليمينية ــ الأمنية التى تصور المجتمع الفلسطينى كخطر. وهى سردية ترفض أيضا إدخال حقوق الفلسطينيين والفلسطينيات ومصالحهم كمعيار فى المعادلة، وترفض تخيُل مستقبل لا نعيش فيه على حد السيف.

اقرأ/ي أيضاً: أمريكا ترفض اتهام إسرائيل بـ"الفصل العنصري"

الحقيقة هى أنه علينا رفع بصرنا كى ندرك أننا، نحن والجانب الفلسطينى، لن نذهب إلى أى مكان. كل الجدران التى شُيدت لن تخفى الحقيقة: بطريقة أو بأُخرى، يتعين علينا تقسيم هذه المنطقة. الانفصال الكامل غير ممكن. علاوة على ذلك: انطلاقا من الفهم أن كل سكان المنطقة متساوون فى الحقوق والقدرات، أنا لا أريد الانفصال. وبدلا من الحديث عن الانفصال، لنتحدث عن الشراكة، وعن بناء مشترك لمستقبل المنطقة. 

دعونا نتحدث عن التضامن والنضال معا من أجل المساواة فى الحقوق لمن يعيشون منذ عشرات الأعوام تحت الاحتلال فى المناطق المحتلة، وتحت التمييز داخل أراضى إسرائيل. النظرة إلى مستقبلنا يجب أن تكون نظرة مشتركة، ونحو مستقبل إنهاء الاحتلال، يمكننا فقط أن نسير معا.

إننى أؤمن، بصدق، بأن شركائى الفلسطينيين فى الطريق هم متساوون معى فى الحقوق. لدى رغبة فى أن يمارسوا حقوقهم المدنية والسياسية، مثلما لدى رغبة فى السماح لأبناء وبنات شعبى بممارسة هذه الحقوق. وأعتقد أننا، الجانب الإسرائيلى، يمكن أن نربح الكثير من شراكة حقيقية مع الجانب الفلسطينى، من بين أمور أُخرى، من خلال التعرُف إلى الثروة الثقافية والفكرية للثقافة الفلسطينية، ومن خلال الاندماج فى المجال الذى نعيش فيه. 

إن سبب إنهاء الاحتلال ليس فقط من أجل وضع حد لدائرة الدم المروعة التى تحصد حياة العديد من الإسرائيليين والفلسطينيين فى كل عام، بل لأن الاحتلال يشكل انتهاكا خطِرا للحقوق الأساسية للإنسان لأكثر من مليونَىْ شخص. يجب إنهاء الاحتلال، ليس لأنه الأمر الحكيم الذى يجب القيام به، بل لأنه أمر محق.

ما زلت حتى اليوم أيضا أؤمن بحل الدولتين ــ ليس لأنه يسمح بأقل قدر معين من الاحتكاك بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بل لأنه الحل الذى يمكن تنفيذه مع التركيبة السياسية الحالية، ولأنه يسمح بواقع فيه ظلم أقل لكل الذين يعيشون بين البحر ونهر الأردن. والطريق إليه يجب أن نسيرها معا.

موسى راز
عضو كنيست من حركة ميرتس
ترجمة:
مؤسسة الدراسات الفلسطينية