يحلم العامل عوض عبدالقادر 52 عاماً بعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل انتفاضة الأقصى التي اندلعت عام 2000، بالعمل داخل "إسرائيل"، بعد أن تدهورت أوضاعه لسنوات طويلة جراء عدم وجود فرص عمل توفر له حياة كريمة ولأبنائه، وليتخلص من انتظار الكوبونات والطرود الغذائية التي توزعها المساجد ، وشيك الشؤون الاجتماعية غير المنتظم.

ومنذ العام 2003 منعت إسرائيل نحو 100000 عامل من قطاع غزة من العمل لديها، كعقوبة لهم على مقاومتهم للاجراءات الاسرائيلية، الأمر الذي رفع نسبة البطالة بشكل غير مسبوق، وأدى لتردي أوضاع العمال الاقتصادية، وجعلهم يتدافعون على الحصول على بطالة من وكالة الغوث لثلاثة أشهر.

يقول العامل عبد القادر:" عملت لمدة خمس سنوات، في ذروة شبابي في مهنة البناء، وكنت أحصل أجرة ممتازة، لدرجة أن الناس تنظر للعامل في "إسرائيل" بأنه أفضل من الموظف الحكومي، واصفاً تلك الفترة بالنسبة له بالفترة الذهبية، التي يتمنى أن تعود من جديد.

اقرأ أيضاً: مستشار ديوان الرئاسة أحمد الرويضي لـ "أركان": آلاف القرارات العربية والإسلامية لدعم القدس لم تنفذ!

ويضيف العامل في حديثه لـ "أركان"، بأن وضع العمال أصبح في مهب الريح، منذ اندلاع انتفاضة الأقصى في العام 2000، حيث الاغلاقات المتكررة إلا أن، جاء العام 2003 وتم منع العمال بشكل نهائي من العمل داخل "إسرائيل".

وتابع، أن العمل في قطاع غزة تراجع للوراء، نظراً لأن شريحة العمال التي كانت تشكل العمود الفقري للاقتصاد في غزة، وحركة تجارية كبيرة، وأصبح بالكاد بين الفترة والأخرى الحصول على عمل مؤقت، وهذا الأمر لم يدم طويلاً حيث منعت "إسرائيل" دخول المواد لقطاع غزة بحجة استخدامها في المقاومة ما أدخل القطاع في أزمة في البناء وارتفاع عدد العمال بشكل أكبر.

واعتبر أن أي فرصة عمل في البناء في غزة، لا تقارن بالمطلق مع العمل داخل "إسرائيل"، وشبه فرص العمل المؤقتة إن توفرت بالمسكنات الضعيفة.

وتمنى أن تستقر الأوضاع السياسية ويتم العمل بكل جدية من قبل السلطة الفلسطينية مع الجانب الإسرائيلي للسماح بدخول العمال للعمل في "إسرائيل"، لإنقاذ حياة آلاف الأسر التي تقف على طوابير الجمعيات الخيرية والشؤون الاجتماعية والمنحة القطرية، تنتظر مساعدة من هنا أو هناك. واصفاً هذا المشهد بالمذل للعامل.

وحال العامل عبد القادر هو حال عشرات الآلاف من العمال التواقون للعمل داخل الأراضي المحتلة (إسرائيل)، لمساعدة أبناءهم في بناء مستقبلهم، وتوفير حياة كريمة لهم.

ويؤكد العامل زياد عبد الفتاح، أن العمل داخل الأراضي المحتلة (إسرائيل)، أصبح أمنية لكل عامل، بعد أن رؤوه من إهمال والتفات من قبل الجهات المختصة بالعمال في قطاع غزة. 

واستذكر العامل عبدالفتاح عندما كان يعود لأبنائه بأشهى المأكولات والفواكه، وهو عائد من العمل بعد أن يتلقى راتبه أسبوعيا، وبين اليوم الذي لا يجد فيه أحياناً ما يطعمه لأبنائه.

وشدد على أن العمال تعرضوا للظلم الكبير تحت حجج مختلفة من هنا وهناك، والمطلوب هو تصويب المسار، وإكرام العمال وتوفير فرص عمل لهم، أو رواتب توفر الحد الأدنى من الحياة لهم.

لا مؤشرات لعودتهم للعمل وبحاجة للضمان

الخبير الاقتصادي الدكتور ماهر الطباع، أوضح أن أماني العمال بالعودة للعمل في "إسرائيل" محقة، مستدركاً أنه لا يوجد أي مؤشرات لعودتهم في ظل الحصار والقيود الإسرائيلية المفروضة على قطاع غزة.

وأشار الطباع في حديث لـ "أركان"، أن ما يزيد عن 100 ألف عامل من قطاع غزة كانوا يعملون داخل "إسرائيل"، قبل انتفاضة الأقصى، ومع دخول الانتفاضة عام 2000 بدأت الأعداد تتقلص تدريجياً إلى أن جاء الانسحاب الاسرائيلي عام 2005 وتم منعهم بشكل كامل.

وأضاف، أنه مع الانقسام الفلسطيني والحصار المفروض أصبح عدد العمال العاطلين عن العمل أرقام كبيرة، تفوق ربع مليون عامل، وهؤلاء بحاجة لحلول خلاقة وابداعية، للحد من هذا العدد المهول.

ولفت إلى أن قطاع غزة أصلاً يعيش أزمة في السيولة النقدية في عملات مختلفة، كالدولار والدينار، وفي حال عودة العمال للعمل داخل إسرائيل فإن هذا سيشكل دخل يومي لقطاع غزة، بشكل عام، وبشكل خاص على العمال الذين ستتحسن ظروف حياتهم.

وأكد أن شريحة العمال هي الخاسر الأكبر من سياسة الحصار الإسرائيلي والقيود على قطاع غزة.

هذا واعتبر الخبير الاقتصادي د. معين رجب، في حديث لـ "أركان"، أن قطاع غزة أمام أزمة خطيرة متراكمة من البطالة، لان البطالة لم تأخذ الاهتمام الكافي، ولا يوجد خطط واقعية تتعامل معها، من قبل الجهات المختصة.

وأوضح رجب، أن هذه المشكلة الخطيرة بحاجة لموقف على المستوى الوطني تضم الوزارات والقطاع الخاص والمنظمات الدولية حتى المؤسسات غير الربحية، والقوى السياسية ، للاتفاق على مخرج لحل أزمة البطالة المكثفة التي تطرأ من وقت لآخر.

وتابع، أن غزة تعيش في حصار ومن ضمنها منع دخول العمال من العمل داخل "إسرائيل"، وهو ما فاقم أزمة البطالة.

وعن الحلول الممكنة لهذه الشريحة، أوضح الخبير الاقتصادي رجب، أنه طالما لا نعتمد على أنفسنا ونعتمد على غيرنا فإن القدرة على حل المشكلة يكون محدوداً، وهي مشكلة بحاجة لجهود متواصلة، وإعطاء فرص تشجيع للشباب بكل السبل الممكنة، وإقامة مشاريع بتمويل من جهات الاقراض والتمويل، مع خطة تحفز الشباب على تبني المشاريع وإنشائها.

أنه حلم يراود كل عامل في قطاع غزة، بأن يسمح له بالعمل داخل الأراضي المحتلة، للتخلص من آلام وقسوة الحياة بلا عمل في القطاع المحاصر، وهو حلم يبدو أنه بعيد المنال في ظل الظروف السياسية العصيبة وحالة الانقسام الفلسطيني التي أثرت سلباً على مناحي الحياة كافة ومنها شريحة العمال.