عاجلاً أو آجلاً، ستجيء اللحظة التي تظهر فيها التباينات داخل الائتلاف الحاكم في إسرائيل، والمكون من معظم ألوان الطيف، باستثناء المتدينين الحريديم، ما بين يسار صامت أو هادئ لأنه ضعيف، ووسط قوي يتمثل بـ"ييش عتيد" و"كاحول لافان"، ويمين منافس للوسط في ذلك الائتلاف، أو هو الند له، أي أن الخلافات التي من المتوقع أن تظهر للعيان في أي لحظة، هي بين الوسط واليمين، حيث كما هو معروف، أن الذي جمع ثمانية أحزاب كقاعدة للحكومة الإسرائيلية الحالية، بينها من الاختلافات السياسية الشيء الكثير، هو السعي لإسقاط بنيامين نتنياهو من رئاسة الحكومة، وحيث إن هذا الهدف قد تحقق، فإن ما أجل في الأسابيع الماضية بدء ظهور الخلافات بين أحزاب الحكومة، هو الخشية من عودة نتنياهو مجدداً، وهكذا فإنه حتى واشنطن لم تضغط في الملف السياسي على نفتالي بينيت رئيس الحكومة لهذا السبب، ولكن حين يمر الوقت، وتصبح عودة نتنياهو غير ممكنة، فإن الخلافات بين الأحزاب المتباينة ستظهر تباعاً، وصولاً إلى انفراط عقدها على الأرجح في نهاية المطاف.
بهذا الصدد، نشير إلى أن الحكومة الإسرائيلية تواجه ملفين حولهما خلاف داخلي وخارجي، الأول هو الملف الإيراني حيث تواجه الحكومة الإسرائيلية بمجملها خلافا مع الحليف الأميركي، وهذا ما حاولت الحكومة أن تحله من خلال زيارة بينيت لواشنطن الأسبوع الماضي، والثاني الملف الفلسطيني، حيث رغم إعلان سابق ليائير لابيد، بعدم احتمال التوصل لحل مع الجانب الفلسطيني خلال ولاية بينيت، إلا أنه يوجد داخل الحكومة خلاف حول ما تضغط به واشنطن على الأقل، وهو من شقين، الأول - التخفيف من الإجراءات الإسرائيلية القاسية تجاه مواطني القدس، ولجم اعتداءات المستوطنين، وتحسين حياة السكان، والثاني - حماية السلطة من السقوط، حيث التعامل مع هذا البند بالتحديد ينعكس خلافا داخليا، عبر عنه وزير الدفاع بيني غايتس حين قال: كل تقوية للسلطة هي إضعاف لحماس، حيث لا يوافقه اليمين هذا الرأي، تحديداً بينيت الذي تربى على رعاية نتنياهو لمشروع حماس الانفصالي في قطاع غزة.
وهكذا كان لقاء غانتس مع الرئيس محمود عباس، في الوقت الذي كان فيه بينيت يجري لقاء بارداً مع بايدن في واشنطن، بمثابة سعي من تيار الوسط في الحكومة لخلق حالة التوازن داخليا وخارجيا، بحيث جن جنون بينيت، الذي عبر عن غضبه بشكل صريح وواضح، وهكذا ظهر أول خلاف جدي بين تياري الوسط واليمين في الحكومة الإسرائيلية الحالية.
وإذا كانت واشنطن بقيادة بايدن المتردد والبطيء، لا تولي الاهتمام الكافي بالشق السياسي من الملف الفلسطيني، وتكتفي بإيلاء الاهتمام بالشق المالي، وأبعد خطوة لديها بشأن هذا الملف هي إعادة فتح قنصليتها في القدس، فإن ذلك لا يعني إغلاق الباب أمام محاولة فتح هذا الباب، وبالتالي ممارسة الضغط على حكومة إسرائيلية لا ترغب بفتحه، لذا فإن تردد واشنطن تعوضه القاهرة وعمان اللتان لهما كل المصلحة في حل ملف الصراع السياسي الفلسطيني/الإسرائيلي، لأكثر من سبب، في المقدمة، يكمن الجوار من فلسطين، حيث التبعات الأمنية والديموغرافية على كلا البلدين العربيين، اللذين تربطهما من جانب علاقة الأخوة مع فلسطين، ومن الجانب الأخر اتفاقيات السلام مع إسرائيل.
إن دعوة بينيت إلى شرم الشيخ، بعد القمة الثلاثية التي جمعت الرئيسين محمود عباس وعبد الفتاح السيسي بالملك عبد الله الثاني، هي محاولة لفرض حضور الملف السياسي على العلاقة الفلسطينية/الإسرائيلية، ومنع بينيت وحكومته من مواصلة التهرب من هذا الاستحقاق، وهكذا قد يكون غضب بينيت من لقاء غانتس مع الرئيس عباس، يعود إلى أن بينيت يدافع عن كونه رئيس الحكومة، له وحده الحق في متابعة الملفات السياسية، في حين تنحصر صلاحيات وزير الدفاع، في الجانب الأمني، مؤطراً بالحدود السياسية التي يحددها رئيس الحكومة، أو بقرارات ومواقف الحكومة بشكل عام.
فالموقف العربي الثلاثي، سيحاول إقناع واشنطن بأهمية وضرورة إطلاق العملية السياسية، وعدم الاكتفاء بإجراءات بناء الثقة، على الصعيد المالي، وبعد ذلك يمكن للموقف العربي مسنوداً بموقف أميركي إيجابي أن يضغط على الحكومة الإسرائيلية بحيث يجبرها على دخول المسار التفاوضي.
والسعي العربي بهذا الاتجاه، يستند إلى وجود تباين في الإدارة الأميركية تجاه التفاوض، حيث أشار مصدر مصري لصحيفة "الشرق الأوسط"، إلى أن زيارة وليام بيرنز مدير الاستخبارات الأميركية لكل من القاهرة ورام الله وتل أبيب قبل أسابيع هي التي أدت للقاء غانتس مع الرئيس عباس، ذلك اللقاء الذي أثار غضب بينيت، لأنه كان إشارة تؤكد ضرورة عدم الاكتفاء بإجراءات الثقة، وتجاوزها إلى العلاقة السياسية، رغم كل ما قيل من الجانب الإسرائيلي حول أن غانتس لم يتطرق للجانب السياسي في ذلك اللقاء.
لكن لأن غانتس التقى الرئيس عباس بالتحديد، فإن اللقاء أخذ بعده السياسي، ولو أن مسؤولا إسرائيليا التقى مسؤولا فلسطينيا، من قبيل وزير المالية يلتقي وزير المالية، لكان الأمر يمكن أن يكون مقنعا بعدم وجود بعد سياسي للقاء، كذلك فإن ذلك اللقاء يعني، كما قال مكتب غانتس نفسه أن المسؤول الإسرائيلي اتفق مع الرئيس الفلسطيني على مواصلة التواصل بشكل أكبر حول القضايا التي أثيرت في الاجتماع والمقصود بالطبع القضايا السياسية.
هو صراع إرادات إذاً، لحسم التردد الأميركي حيال هذا الأمر، لا بد من خوضه بكل ما لدى القيادة الفلسطينية من حنكة وتجربة، لمواجهة حكومة إسرائيلية تفضل الهرب من استحقاق التفاوض بسبب تركيبتها، لكن التفاوض أمر لا بد منه في نهاية الأمر، لإنهاء آخر احتلال على الكرة الأرضية، لا تنفع معه الأمنيات الإسرائيلية بتمضية الوقت في انتظار مرحلة ما بعد عباس، كما فعلوا من قبل، حين انتظروا مرحلة ما بعد عرفات، ولم يتغير أو يتراجع الموقف الفلسطيني، الذي يصر على إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس.
بقلم: رجب أبو سرية