تتفشى مظاهر العنف في المجتمع، وهي التي حذر منها أكثر من خبير ومختص ومؤسسات حرصا على المجتمع الفلسطيني من المزيد من التلظي بنيران جديدة فوق الانقسام والإبداع في إظهار الاختلاف الثانوي على أنه رئيسي.
وبات العنف سلسلة متكاملة تبدأ من العنف اللفظي، الى العنف بالضرب او الاعتداء، الى العنف الموجه للمرأة والأطفال، وبات ملحا النظر في سيكولوجيا العنف كمكون من مكونات سيكولوجيا التخلف حسب الدكتور مصطفى حجازي في كتابه "سيكولوجيا التخلف وسيكولوجيا الإنسان المقهور" فإن التخلف الاجتماعي مرهون بقدر القهر الذي يُلاقيه البشر في مجتمعاتهم، وكلما كان قدر هذه الحالة كان التخلف على القدر الذي يوازيها.
وبالتالي، يلجأ الإنسان المقهور المعنف الى تعظيم حالة العنف في المجتمع وسعيه لحشد تأييد لهذه الظاهرة وإشاعة شعور أنها الوسيلة الأنسب والوحيدة في ظل تراجع تحصيل الحقوق بالطرق السليمة، إلا أن هذه كذبة صنعها البعض لتشريع وقوننة ظاهرة العنف وقبول البعض بها عندما تكون لهم وينقلبون ضدها بعد فوات الأوان عندما تكون عليهم وضدهم.
أعرف كثيرا من الكبار وأعمدة مجتمعهم المحلي يباركون بطريقة ما العنف بشكل يبدو انه مبطن وظاهر القول الإدانة، (نحن لا نعتدي على أحد ولكن هم الذين بدؤوا فرد أولادنا بالشكل المناسب، الله يهدي هذا الجيل طايش)، (ساعة شيطان لعن الله الشيطان ولكن ضبوا اللي عندكم، ياما حكينا وعدنا وزدنا في هالموضوع).
وتتوسع الأمور باتجاه تعزيز سلوك القهر والإذلال (لا تمشي من طريقنا!!!) تقسيم الشارع الى مربعات يجوز لفلان السير بها والآخر لا يجوز له أو أن العنف هو البديل، أذا رفعت عينك صوبنا يحدث ما لا يحمد عقباه، عمي حجزنا أولادنا عنكم ولكن ليس كل مرة تسلم الجرة.
وحتى التلويح بالعنف سيكولوجية التخلف بعينها بمعنى أنا أوضح موقفي من موقعي في وسط قضية عامة وقضية رأي عام، وأختم توضيحي بأن كل من تداول او علق عرضة للحق العشائري والاجتماعي، يعني باختصار التلويح بالعنف أو المقاطعة الاجتماعية أو غيره من المظاهر.
ويجب التفريق بين عنف الجماهير لنيل الحرية والقضاء على الاستعباد وبين العنف الذي يسعى للحفاظ على الاستبداد وإطالة أمد السيطرة الطبقية والاجتماعية كما وصفها انجلز، واعتبر لينين ان العنف ليس غريزة إنسانية ولا يعتبر محركا للتاريخ كما أراد البعض تصوير الأمر.
نبتعد عن الوصف العام لنذهب صوب التخصيص بحيث ندق ناقوس الخطر من حيث إمكانية تحول العنف الى ظاهرة مؤلمة خطيرة في ظل حالة الاحتقان وتراجع تساوي الفرص وسوء توزيع الثروة، بحيث يدفع الكل الفلسطيني ضريبة قيمة مضافة واحدة وفي المقابل يتهرب البعض ضريبيا ولا تطبق الشرائح على ضريبة الدخل بحيث يتساوى موظف راتبه ضمن متوسط الدخل في مستحقاته الضريبية مع من يسجل ضمن الـ 5% من السكان الذين يوصفون بالثراء، وتراجع القدرة الشرائية وتراجع منسوب السعادة والترفيه نظرا لضغط الدخل باتجاه بالكاد يلبي المتطلبات الأساسية جدا من التزامات الفواتير الشهرية والالتزامات تجاه البنوك والسلع الأساسية، ما يفقد جزءا ليس يسيرا من الناس إمكانية الترفيه البسيطة سواء حديقة عامة بدخولية الى كوفي شوب ومطعم ولو مرة كل ستة اشهر.
ولا نغفل هنا عنف الاحتلال ومستوطنيه ضد شعبنا وسعيه لجعلنا في درجة أدنى ليتمكن من استمرارية العنف والقهر، فتارة يتم بالقهر الاقتصادي والمالي عبر محاصرة شعبنا ماليا، وتحول أسواقنا الى مكب نفايات لمنتجات المستوطنات، وتحويل الثقافة الذاهبة باتجاه أن المنتجات الإسرائيلية ألذ وأطيب ومتقنة، وهذه مقدمات لتعزيز تبعيتنا له وفي ذات الوقت تعزيز نظرية (السيد والعبد) هناك من هو أهم منك في كل شيء وأنت اقل منه، وهذا يقود غالبا للتفريغ بالعنف الداخلي في المجتمع داخل الأسرة والمدرسة والجامعة والمؤسسات.
ما زال هناك أساتذة يتغنون بأيام "العصا لمن عصى" ويضيفون: منذ منع الضرب في المدارس بات حالنا في تراجع!!!!، ويستمر العنف اللفظي تجاه الأقل وظيفة في الهيكل التنظيمي للمؤسسات على قاعدة غير مقبولة (أنا افهم منك وأوعى منك)!!!، ويستمر العنف بأشكال مختلفة من حيث تقسيم المجتمع الى قرى ومدن ومخيمات وإعطاء طابعة على الظهر بسلسلة صفات تصبح مقياسا في ذهنية التخلف ومكونا من مكونات سيكولوجية العنف!!!!.
آن أوان ان نأخذ على يد كل من يمارس العنف بغض النظر عن مبرراته وأن يؤخذ على اليد بالقانون وإنفاذه وسرعة الإجراءات للحد منه، الأخذ على يد كل من يشير الى مستهدف بالعنف، ومن يحرض بحرف، ومن يخطط ويأمر، ومن ينفذ ويشارك ويشجع، لتجتث تلك الظاهرة من جذورها. وألا تكون جامعاتنا إلا مراكز للتأثير الإيجابي على المجتمع وليست متأثرا سلبيا بواقع المجتمع، يجب ان توسع قواعد التثقيف العام والإبداع والتميز للكف عن مظاهر العنف كافة.