أكد الكاتب الإسرائيلي المختص بسياسات الشرق الأوسط ألون بن مئير، أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية يبقى أكبر تهديد لأمن "إسرائيل" القومي، وعلى الشعب الإسرائيلي أن ينتبه إلى هذا الواقع المرير، بخلاف ما يعتقده القادة الإسرائيليين بأن قيام دولة فلسطينية سيضر بالأمن القومي الإسرائيلي.

ووفقاً للكاتب في مقال له نشره موقع Eurasia Review ، فإن استمرار الاحتلال الإسرائيلي يقوض أمن الدولة اليهودية، ذاكرا ثلاث حجج لإثبات صحة قوله وهى: الاحتلال يحرض على المقاومة، الاحتلال يجعل أعداء "إسرائيل" أكثر جرأة، وأخيرا الاحتلال يرعى طابورا خامسا في إشارة إلى غضب العرب داخل "إسرائيل".

ويضيف الكاتب، أنه لعقود من الزمان، انخرط قادة "إسرائيل" في رواية كاذبة متعمدة ومستمرة حتى الآن لتبرير الاحتلال على أساس أنه أمر ضروري لأمن "إسرائيل" القومي وأن إنشاء دولة فلسطينية سيشكل خطرًا وجوديًا عليها. وبجانب أن العديد من كبار ضباط "الجيش" وخبراء الأمن القومي لا يتفقون مع هذا التقييم، لم يجادل أي رئيس وزراء إسرائيلي أو وزير جيش من قبل بشكل مقنع كيف أن دولة فلسطينية ستشكل خطرا أكبر على "إسرائيل" من استمرار الاحتلال. 

وأوضح، أنه في الواقع فإن قيام دولة فلسطينية منغمسة في بناء الدولة والتعاون الكامل مع "إسرائيل" في جميع المسائل الأمنية (التي ستكون شرطًا مسبقًا لإنشاء دولة فلسطينية) تعزز بالأحرى الأمن القومي لإسرائيل لا تقوضه.

اقرأ/ي أيضاً: عمال غزة يحلمون بالسماح لهم بالعمل في "إسرائيل"

ونادى الشعب الإسرائيلي بان يستيقظ ويتوقف عن تصديق هذه الرواية التي تجعل الأمن القومي لإسرائيل مرادفًا للاحتلال، تلك الرواية التي كان يصدقها ويطبقها بانتظام زعماء مثل بنيامين نتنياهو، ورئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي نفتالي بينيت، وحلفائهم. إنهم يصورون الشعب الفلسطيني على أنه عدو دائم يشكل تهديدًا وجوديًا، وبالتالي يجب السيطرة عليه بقوة، ولذلك أجندتهم هي ضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، واستيطان الضفة الغربية بما لا يقل عن مليون يهودي ويهودية، وجعل إقامة دولة فلسطينية بمساحة أرض متواصلة أمرًا مستحيلًا عمليًا.

وتابع بن مئير، أن الاحتلال يواصل تحفيز المقاومة الفلسطينية داخل وخارج "إسرائيل"، ويزيد من استيائهم وكرههم لها، ويسمم الجيل القادم في "إسرائيل" والأراضي الفلسطينية المحتلة على حد سواء. حيث أصبح الجيل الإسرائيلي والفلسطيني الحالي ينظر إلى بعضه البعض، مثل الأجيال الثلاثة الماضية، كأعداء دائمين لدودين. إنهم يستعدون للحرب القادمة بدلاً من إقامة علاقة سلمية ومزدهرة وحسن جوار.

واستعرض الكاتب ثلاث حجج تظهر بوضوح كيف أن الاحتلال يدعو فعلا إلى استمرار العنف والدم، ويقوض الأمن القومي لإسرائيل، ورصيدها الأخلاقي.

وأوضح أن الحجة الأولى، تقوم على أن الاحتلال يحرض على استمرار المقاومة: متسائلاً، كيف يمكن لإسرائيل أن تدعى أنها أقوى دولة في المنطقة ومع ذلك فهي تخشى مجموعات صغيرة من الفصائل الفلسطينية أكثر من دولة فلسطينية موحدة ملتزمة بحماية استقلالها ومستعدة للتعاون مع "إسرائيل" في جميع المسائل الأمنية؟ وقال:" صحيح أن الاحتلال يسمح لإسرائيل بالتجول دون قيود في معظم الأراضي المحتلة لملاحقة المسلحين والقيام بمداهمات ليلية وعمليات إخلاء وسجن وهدم للمنازل متى شاءت كوسيلة لإخضاع الجانب الفلسطيني. ومع ذلك، فإن هذه الإجراءات الوحشية المتخذة باسم الأمن القومي في الواقع تجعل "إسرائيل" أقل أمنًا وأكثر عرضة للخطر.

أما الحجة الثانية، تشجيع أعداء "إسرائيل"، يزيد الاحتلال من جرأة أعداء "إسرائيل"، ويستخدمون وجود الاحتلال كذريعة لتعزيز أجندتهم الإقليمية. موضحاً أنه إذا كانت "إسرائيل" مثلا قلقة للغاية بشأن التهديدات الإيرانية، فعليها أن تعلم أن إيران ليس لديها أي عزيمة أيديولوجية لتدمير "إسرائيل". مشيراً إلى أنه في عام 2003، عرضت إيران اقتراح سلام سرى تقبل فيه إيران السلام مع "إسرائيل"، وتنهى المساعدة المادية للفصائل الفلسطينية المسلحة، وتضغط على هذه الجماعات لوقف الهجمات الإرهابية ضد "إسرائيل".

لافتاً إلى أن إنهاء الاحتلال بمثل هذا الاقتراح أو بدونه كان سيحيد معارضة طهران لوجود إسرائيل وسحب البساط من تحت وكلائها ــ حزب الله وحماس والجماعات المتطرفة الأخرى ــ الذين يستخدمون الاحتلال لتبرير مقاومتهم العنيفة ضد "إسرائيل".

بينما الحجة الثالثة، والتي تتمثل في رعاية طابور خامس؛ يزيد الاحتلال من نفور ما يقرب من مليوني عربية وعربي داخل "إسرائيل" ممن لهم صلة عميقة بإخوانهم وأخواتهم في الضفة الغربية وقطاع غزة. إنهم غاضبون من السلوك الإسرائيلي غير القانوني في الضفة الغربية والحصار المفروض على غزة. يتم وضعهم في موقف لا يمكن تحمله حيث يتعين عليهم الاختيار بين ولائهم للمقاطعة التي يعيشون فيها، أو قرابتهم لعائلاتهم الفلسطينية الأكبر. وتعد مواجهتهم العنيفة مع الشرطة الإسرائيلية والمستوطنين في أعقاب الحادث الذى وقع في المسجد الأقصى في مايو الماضي وما تلاه من اندلاع للعنف بين حماس و"إسرائيل"، أوضح مثال على ذلك.

الحكومة الائتلافية برئاسة بينيت، تثق كذلك في أنه إذا وفرت "إسرائيل" للشعب الفلسطيني المزيد من الفتات في شكل تنمية اقتصادية وفرص عمل في "إسرائيل" وبعض تصاريح البناء وإجراءات أمنية، فسوف ينسى فكرة إقامة دولة مستقلة ويعيش بسعادة خاضعا لأهواء "إسرائيل". ومن خلال اتخاذ هذه الإجراءات، تسعى الحكومة الإسرائيلية الحالية إلى "تقليص الاحتلال" وتخفيف الحصار على غزة من خلال تقديم برنامج تنمية اقتصادية مكثف لحماس. 
وتقول الحجة إن الجانب الفلسطيني سيكون سعيدا بإدارة شئونه بالطريقة التي يراها مناسبة طالما أنه يتوقف ويكف عن أي نشاط عنيف ضد إسرائيل. لكن في حين أن هذه الإجراءات ضرورية لعملية المصالحة، فإنها لن تكون أبدًا بديلا عن الدولة الفلسطينية المستقلة.