استعرض الكاتب رجب أبو سرية، رحلة حركة حماس في التجاذبات مع حلفائها بعد فوزها الكبير في الانتخابات التشريعية عام 2006م، وما تبعه من انقلابها على السلطة الفلسطينية وإدارته، وآلية الحركة في تشكيل تحالفاتها داخلياً وخارجياً في ظل المتغيرات التي شهدتها المنطقة في السنوات العشرة الأخيرة، وتأثيرها على الحركة.
ولفت الكاتب أبو سرية في مقالٍ له، نشرته صحيفة الأيام الفلسطينية في عددها الصادر يوم السبت (16/10)، إلى أن حركة حماس حتى دخولها السلطة والحكم بعد انتخابات 2006م، لم تكن تعني الأطراف الإقليمية كثيراً، باستثناء دولة سورية التي كانت معتادة على إقامة جسور التحالف مع الفصائل الفلسطينية المقاومة.
ونوه إلى أن الحركة ورغم ظهورها بقوة سياسية ميدانية خلال انتفاضة الحجارة عام 1987م، ظلت واحدة من أبرز فصائل الانتفاضة، التي ظهرت بشكل ما كوريث للجبهة الشعبية في موقع قيادة المعارضة، وهذا ما ظهر خلال تشكيل جبهة معارضة أوسلو بعد توقيع اتفاق إعلان المبادئ العام 1993، وميدانيا وبعد أن أوقف أوسلو ما تبقى من فاعليات الانتفاضة، فإن قوة حماس انحسرت، حتى كادت تتلاشى مع إقامة السلطة، وظهر ذلك جليا خلال عامي 94، 95، لكنها ومنذ العام 1996، بعد اغتيال إسحق رابين، وإطلاق عملياتها الاستشهادية في المدن الإسرائيلية، أخذت في الظهور مجددا، وإن كانت قد بدأت في الاصطدام الميداني مع السلطة، لكن صراعها مع السلطة حين ذاك بدأ في التراجع ارتباطا بتعثر المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية.
اقرأ/ي أيضاً: الوقائي يضع يده على ملفات خطيرة جداً تتعلق بصفقات بيع الأراضي للمستوطنين
وأوضح أن الحركة نظراً لمحدودية تأثيرها في الداخل الفلسطيني، أحجمت عن المشاركة في انتخابات العام 1996، واحتاجت بعد ذلك إلى نحو عشر سنوات من العمليات العسكرية ضد إسرائيل، مع تعثر المفاوضات، لتصبح قوتها توازي قوة حركة فتح ميدانيا، ولهذا شاركت في انتخابات 2006، بعد غياب قائد فتح ياسر عرفات، لتصل للسلطة من الباب الواسع، استنادا للنظام الانتخابي المختلط الذي جرت الانتخابات في ذلك العام على أساسه، لتظفر بالأغلبية النيابية، وحينها صارت حماس "نجما" إقليميا، تتنافس القوى الإقليمية على التحالف معها.
وقال الكاتب أبو سرية، مع وصول حماس السلطة من أوسع أبوابها لم يكن هناك سوى إيران إلى جانب سورية، وهما في الموقع نفسه، حليفان إقليميان، وهكذا صارت حماس تعد جزءا من محور الممانعة الإقليمي الذي يضم "إيران وسورية ومعهما فصائل سياسية فلسطينية ولبنانية، أهمها حزب الله، الحليف تماما لإيران، وحركة الجهاد الإسلامي، ثم حماس، التي كانت تشهد خلافا داخليا حول هذه المسألة، تم لجمه بالمال الإيراني، والدعم العسكري أيضا.
وأشار إلى أن حركة حماس وجدت نفسها بعد ذلك عرضة لتجانب خارجي جدي، وهو ما سمي بالربيع العربي الإخواني، وكان يمكن أن يمضي الأمر على "خير" بالنسبة لحماس، لولا الحراك الشعبي في سوريا، ومصر، وفوز الإخوان بحكم مصر، وهو ما عزز من التيار الذي كان وما زال يقوده إسماعيل هنية والذي يسير وفق الإخلاص للإرث الإخواني، ولذلك وزع هنية شخصيا الحلوى في غزة لحظة إعلان فوز محمد مرسي العياط في السباق الرئاسي المصري، مستدركاً أن الطامة الكبرى لحماس كانت فيما يخص سورية، حيث اضطرت حماس للإصطفاف مع إخوان سورية ضد نظام بشار الأسد، ما اضطر خالد مشعل رئيس المكتب السياسي آنذاك، وعراب العلاقة مع محور الممانعة للإقامة في قطر، ومن ثم الانحناء لتيار هنية، وصولا إلى النزول من مقعد رئيس الحركة لهنية شخصيا.
وتابع، أن هنية كان قبل ظهور الربيع العربي يدفع للتحالف مع تركيا الإسلامية وريث الباب العالي العثماني، مقابل التحالف مع ايران، أو على الأقل لإحداث التوازن بينهما.
ورأى أبو سرية، أن تبعات التجاذب الاقليمي على حماس ما زالت آثارها حتى اليوم رغم مرور عشر سنين تقريبا، وبعد أن هوى الإخوان في مصر وتونس، وانحسروا في الجزائر، ثم في المغرب، رغم محاولة هنية العام الماضي بذهابه للرباط ولقاء رئيس حكومته الإخواني سعد الدين العثماني، تعزيز وجهته القائمة على التحالف واستمرار المراهنة على الإخوان في كل مكان، إلا أن سقوطهم المدوي قبل أسابيع في المغرب أيضا، يجعل من حلقة الحلفاء أضيق، وبالتالي يستمر اعتماد حماس على مربع فيه من التباينات الشيء الكثير، ونعني به إيران - تركيا - قطر - مصر.
وقال أبو سرية: أن حركة حماس على المستوى الاقليمي، طرقت أبواب سورية فوجدتها موصدة، ومن ثم لتتقرب لمصر بعد سقوط الاخوان اضطرت لإعلان براءتها من العلاقة التنظيمية مع إخوان مصر، رغم أن إخوان غزة بالتحديد هم تلاميذ مدرسة بل وحتى تنظيم إخوان مصر، حيث وجدت القاهرة في حماس ضالة أمنية، تساعدها في ملف سيناء، وهكذا أبقت حماس على العلاقة الجيدة مع قطر، وابتعدت عن إخوان مصر، لتبقي باب القاهرة مفتوحا، وإن كان دون ثقة.
وأضاف، أن حماس على المستوى الداخلي، تربطها علاقة وثيقة سياسيا مع عدد محدود من الفصائل الفلسطينية، معظمها الفصائل المرتبطة سياسيا بسورية، أي القيادة العامة والصاعقة وجماعة أبو موسى - العملة، إلا أن علاقتها مع هؤلاء تأثرت سلبا بعد انقطاع علاقتها بسورية، فقط بقيت على علاقة مفتوحة مع الجبهة الشعبية، ومع الديمقراطية بدرجة أقل.
أما على الصعيد الميداني، خاصة بعد انقلابها في غزة العام 2007، فكان تحالفها الأهم مع حركة الجهاد الإسلامي، وعندما يخرج أمين عام الجهاد زياد النخالة، مؤخرا لتهديد إسرائيل بحرب انتصارا لمعتقليه في السجون الإسرائيلية، دون أن ينسق مع حماس، ويظهر على صورة حسن نصر الله في لبنان، فهذا يعني أن حماس بدأت تواجه حليفا ليس في جيبها الخلفي، لا ينافسها على السلطة بشكل صريح، لكنه ينافسها على النفوذ ويزاحمها فيما يخص قرار الحرب، في الوقت الذي تلهث هي فيه وراء التهدئة وصفقة الأسرى والمنحة القطرية.