كشف كتاب أمريكي جديد حمل عنوان "الخطر" للكاتبين الصحفيين الشهيرين بوب وودوارد وروبرت كوستا في صحيفة واشنطن بوست، عن التدهور الذي حصل في الديمقراطية الأمريكية، وأسرار الانتقال الرئاسي من الرئيس السابق دونالد ترامب، إلى الرئيس الحالي جوزيف بايدن.

واعتبر الكاتبان أن فترة الانتقال الرئاسي في الولايات المتحدة شكَّلت أحد أخطر الفترات في التاريخ الأمريكي، لاسيما أنها تزامنت مع جملة من التحديات أبرزها، جائحة كورونا، وانقسامات الحزب الجمهوري وفوضى تسليم السلطة، واقتحام أنصار ترامب مبنى "الكابيتول" في يناير الماضي في محاولة لوقف آخر خطوة إجرائية في الكونغرس تسمح بتنصيب الرئيس الجديد جو بايدن.

وركز الكتاب الذي اعتمد على أكثر من 200 مقابلة مع مشاركين وشهود عيان، على الصحة العقلية لترامب، والإجراءات الصارمة التي تم اتخاذها بشكل سري بعيداً عن ترامب لتبديد مخاوف الصين من إمكانية توجيه ضربة نووية لها قبل مغادرة ترامب البيت الأبيض وكذلك إيران، بالإضافة إلى ارتباك إدارة ترامب، إضافة إلى "شرنقة" بايدن. 

وأشار الكاتبان إلى أن الجنرال الأمريكي "مارك ميلي" رئيس هيئة الأركان المشتركة، كان على يقين من أن ترامب يعاني "تدهوراً خطيراً في قدراته العقلية" واحتمال تحوله إلى "شخص خطير" في أعقاب الانتخابات، فضلاً عن أنه بات مهووساً تماماً، إذ لجأ إلى الصراخ على المسؤولين ونشر نظرية المؤامرة.

واستشهد الكاتبان بمكالمة جرت بين رئيسة مجلس النواب "نانسي بيلوسي" و"ميلي" بعد يومين من اقتحام الكابيتول، حيث أعربت الأولى عن قلقها من وضع ترامب العقلي ووصفته بـ "المجنون" وأنه قد يشن ضربة نووية، منتقدة صمت مسؤولي البيت الأبيض عن تصرفاته وعدم منعه من الهجوم على مبنى الكونجرس، ودعت إلى اتخاذ الاحتياطات اللازمة لقطع الطريق أمام أي قرارات عسكرية يتخذها ترامب، فيما أقر "ميلي" بخطورة الموقف ووافق على ما قالته بيلوسي.

كما حذرت مديرة وكالة الاستخبارات المركزية "جينا هاسبل" ميلي عندما رفض ترامب التنازل في نوفمبر2020، قائلة: "نحن في طريقنا إلى انقلاب يميني، إنه في نوبة غضب ويتصرف مثل طفل في السادسة من عمره"، والواقع أنها كانت تخشى من تنفيذ هجوم على إيران. وبناءً عليه، طالب "ميلي" قادة الاستخبارات في الولايات المتحدة وعلى رأسهم مديرة وكالة الاستخبارات المركزية "جينا هاسبل"، وقائد الاستخبارات العسكرية "بول ناكاسون"، بمراقبة تصرفات ترامب ورصد سلوكه.

خطوات سرية بعيداً عن ترامب

وكشف الكِتاب عن قيام "ميلي" باتخاذ عدد من الإجراءات السرية بعد يومين من الهجوم على مبنى "الكابيتول"، حيث دعا إلى اجتماع سري في مكتبه في البنتاغون لمراجعة سير العملية العسكرية، بما في ذلك إطلاق الأسلحة النووية، وفي حديثه إلى كبار المسؤولين العسكريين عن مركز القيادة العسكرية الوطنية، غرفة الحرب التابعة للبنتاغون، أمر ميلي بعدم تلقي أوامر من أي شخص ما لم يكن مرتبطاً بالأمر.

ووفقاً للكتاب، فقد أجرى "ميلي" مكالمتين هاتفيتين سريتين مع نظيره الصيني الجنرال "لي زوتشنغ"، الأولى كانت في 30 أكتوبر 2020 قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، أما الثانية فكانت يوم 8 يناير 2021 أي بعد اقتحام مبنى "الكابيتول" بيومين، أكد ميلي خلالهما أن الولايات المتحدة لن توجه ضربة عسكرية أو نووية ضد الصين.

كما كشف الكتاب، ارتباك إدارة ترامب، خلال أيامه الأخيرة وهو ما تجلى في عدد من الظواهر أبرزها إقالة وزير الدفاع "مارك إسبر" 9 نوفمبر 2020، وهو ما تسبب في تصاعد مخاوف مسؤولي إدارة ترامب كجينا هاسبل وديفيد أوربان كبير مستشاري حملة ترامب الرئاسية في 2016 وأحد المقربين منه، حيث أخبر أوربان صهر الرئيس وكبير مستشاريه "جاريد كوشنر" بأن إقالة إسبر خطوة شاذة، جعلت ترامب يبدو خارج السيطرة، فضلاً عن استقالة النائب العام "ويليام بار" بعدما فشل في إقناع ترامب بأنه بحاجة لكسب الجمهوريين المعتدلين والتركيز على الانتعاش الاقتصادي والاستجابة السريعة لجائحة كورونا، وعدم اقتناعه برواية ترامب الخاصة بتزوير الانتخابات، ناهيك عن ضغوط ترامب على نائبه "مايك بنس" لمنعه من التصديق على انتخاب بايدن، فبحسب الكتاب جاء رفض بنس فكرة ترامب بإلغاء المصادقة على النتائج يوم 6 يناير 2021 نتيجة لاعتقاده بأن هذا سيكون مناقضاً لوجهة نظره المحافظة تقليدياً.

وأشار الكتاب إلى مهاجمة ترامب لصهره جارد كوشنير بتصريحات عنصرية تشير إلى أن كوشنر أكثر ولاء لإسرائيل من وطنه (أمريكا)، واستخدم تعبيراً معادياً للسامية، وبحسب الكتاب، لم تكن تلك المرة الوحيدة، ففي اجتماع آخر قال ترامب مازحاً: "كما تعلمون فإن جاريد كوشنر الذي نشأ في أسرة يهودية أرثوذكسية هو أكثر ولاء لإسرائيل منه للولايات المتحدة".

وخلص الكاتبان إلى أن ما جرى هو تدهور أركان النظام الأمريكي بدءاً من الحديث عن تراجع  الديمقراطية الأمريكية حيث أشارا في أكثر من موضع إلى وجود ما يشبه "انقلاباً ناعماً" من المؤسسة العسكرية ضد الرئيس ترامب لشكوك حول قدراته العقلية، وهو أمر لا يختلف كثيراً عن الانقلابات العسكرية، مروراً بالحديث عن تدهور الحياة الحزبية، وهو ما تجلى في الإشارة للانقسامات التي حدثت داخل الحزب الجمهوري، ومن أبرزها، عزل "ليز تشيني" من قيادة الحزب الجمهوري في مجلس النواب، والتي صوتت لصالح محاكمة ترامب وانتقدت بقوة الأكاذيب التي كان يرددها عن تزوير الانتخابات.