اعتادت الصهيونبة على أنها تكذب والعالم المتواطئ يصدقها ويدعمها في تمرير كذبها، هذه المعادلة عاشت معها الصهيونية منذ تأسيسها في نهاية القرن التاسع عشر وحتى اليوم، لذلك عندما يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي المرتعش بينيت إنه لن يتفاوض على تأسيس دولة "الإرهاب الفلسطينية" فإنه ينطلق من المعادلة ذاتها، فالعالم وعندما يتعلق الأمر بكذب إسرائيل يصم آذانه ويصمت. مع العلم أن أكثر من 140 دولة تعترف بالدولة الفلسطينية التي لا تزال تحت الاحتلال.
ادعاءات بينيت الكاذبة ليست هي السبب، فإسرائيل ذاتها دولة قامت على الإرهاب والاحتلال وقامت بأبشع عملية تطهير عرقي في القرن العشرين ولا تخفي عنصريتها. كل الحجج التي ساقتها إسرائيل لمنع وجود دولة فلسطينية هي حجج واهية تخفي من ورائها الحقيقة، بأن وجود دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة هو بمثابة بداية لنهاية المشروع الصهيوني، ليس من زاوية أن تتحول هذه الدولة إلى دولة إرهاب، وإنما لأن المشروع الصهيوني التوسعي سيوضع له حد.

القيادة الفلسطينية أعلنت مرارا أنها مستعدة أن تقبل بدولة منزوعة السلاح لكي تطمئن العالم المتواطئ وتنزع حجج إسرائيل الواحدة بعد الأخرى.

الصهيونية قالت من البداية إن "أرض إسرائيل" لا تقبل القسمة على شعبين ودولتين، قالت هذا حتى قبل أن يشعر الشعب الفلسطيني بخطر المشروع الصهيوني ويبدأ في مقاومته. 

وفي التسلسل التاريخي والآيديولوجي، فقد بدأت الصهيونية مسيرتها من مبدأ أساسي بنفي وجود للشعب الفلسطيني، وعندما صاغت هي والإمبريالية البريطانية وعد بلفور في كل المسودات الصهيونية للوعد لم يذكر وجود الشعب الفلسطيني من قريب أو بعيد وكأنهم بالفعل يتحدثون عن أرض فارغة من أي سكان. وعندما اكتشف طرفا الوعد بأنه لا يمكن تجاهل وجود الفلسطينيين كليا، لم يعترف بهم كشعب بل مجموعات طائفية تصادف بأنها تقيم على هذه الأرض وتنحصر حقوقها فقط بالحقوق المدنية والدينية ولا ينسحب عليها حق تقرير المصير إطلاقا. 

كل هذا قد تم حسمه حتى قبل أن يعلم الشعب الفلسطيني أن مخطط شطب وجوده قد تم وقبل أن يتفوه بكلمة ضد الصهيونية، فعن أي إرهاب يتحدث بينيت؟

لدى الصهيونية قرار استراتيجي منذ البداية: لا لوجود الفلسطينيين كشعب ومن المستحيل القبول بدولة فلسطينية في المنطقة ما بين النهر والبحر، لأن أي حل وسط سيقضي على كل مشروعهم برمته. ونذكر هنا أنه عندما ارتكب تيار داخل الصهيونية الخطأ التاريخي بالاعتراف بالشعب الفلسطيني كشعب، وأن اتفاق أوسلو قد تنتج عنه دولة فلسطينية، قاموا باغتيال رابين في مثل هذة الأيام عام 1995 لتصفية اتفاقيات أوسلو تماما.

المرتعش خوفا من انهيار ائتلافه الحكومي في أي لحظة المتدرب في السياسة بينيت لا يمتلك حتى مهارة الكذب التي كان نتنياهو بارعا جدا بها، فهو رمى ما قاله ومشى بأنه لن يتفاوض على إقامة دولة إرهاب في داخل إسرائيل. ويبدو أنه شعر أنه ليس بحاجة لأن يكون بارعا في الكذب ليصدقه العالم.

البعض منا قد لا يدرك أهمية كل خطوة مهما كانت بسيطة تجعل من الدولة الفلسطينية حقيقة متجسدة على الأرض، والأهم أن نتقن نحن هذا التجسيد بطريقة سليمة وصلبة، وألا نبقى نعيش بعكس ما قال لينين: خطوة للأمام وخطوتان للوراء، ألا نحافظ على إنجازاتنا ومكتسباتنا وهذا أخطر علينا من كذب الصهيونية.