تخطط روسيا والصين للتحوط من تأثير العقوبات الأمريكية عن طريق التخلي عن الدولار وإقامة أنظمة مالية بديلة.
في ضوء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، فرضت الولايات المتحدة والدول الغربية عقوبات على روسيا بهدف تعجيز اقتصادها وإجبارها على تغيير مسارها.
لكن حتى الآن، فشلت هذه الإجراءات في إرغام روسيا على القبول باتفاقية لوقف إطلاق النار أو الانسحاب. وحذر تقرير في مجلة فورين أفيرز الأمريكية 7 مارس الحالي، من أن هذه العقوبات ستدفع روسيا والصين إلى تسريع المبادرات الرامية إلى "التخلي عن الدولار الأمريكي" في اقتصاداتهما.
وبناء مؤسسات وهياكل مالية بديلة تحميهما من العقوبات وتهدد مكانة الدولار الأمريكي بصفته العملة المهيمنة عالميًا.
مكانة الدولار الأمريكي
أفاد التقرير أن تفوق الدولار الأمريكي في النظام المالي العالمي، مدعوم بالأسواق الأمريكية القوية والقوة العسكرية الأمريكية التي لا تُضاهى، يجعل أي عقوبات تفرضها واشنطن هائلة.
أضاف أن الدولار العملة الاحتياطية الأكثر انتشارًا في العالم والرئيسة في التجارة الدولية والمؤسسات المالية العالمية، فضلًا عن أنه يهيمن على أسواق الأسهم العالمية وأسواق السلع الأساسية والتمويل الإنمائي والودائع البنكية وقروض الشركات العالمية.
التخلص من سطوة الدولار
روسيا من أشد المناصرين للتخلص من سطوة الدولار وأجندتها تلقى قبولًا كبيرًا لدى الصين. بحسب التقرير، الذي أشار إلى أن التزام الصين بتنويع احتياطي النقد الأجنبي وتشجيع المزيد من المعاملات باليوان وإصلاح نظام العملة العالمي عبر إجراء تغييرات في صندوق النقد الدولي يدعم استراتيجية روسيا.
إضافة إلى هذا، فإن العلاقات الأمريكية الصينية المتدهورة تحفز بكين على الانضمام إلى موسكو في بناء نظام مالي عالمي موثوق يُقصي الولايات المتحدة، ويقول التقرير إن هذا النظام سيجذب الدول الخاضعة للعقوبات الأمريكية، ويلقى قبولًا لدى حلفاء الولايات المتحدة الذين يأملون في ترويج عملاتهم على حساب الدولار الأمريكي.
قلق روسي من تفوق الدولار
على مدار العقد الأخير، أعرب صناع السياسة الروس عن قلقهم من تفوق الدولار، وبعد ضم شبه جزيرة القرم في العام 2014، اتخذت الحكومة الروسية إجراءات للتحوط من العقوبات الأمريكية وحماية استقلالها المالي إذا جرى عزلها عن نظام سويفت، الذي يسمح للبنوك بتبادل الرسائل والمعلومات بعضها البعض.
ومنذ 2018، خفض البنك المركزي الروسي حصة الدولار في احتياطي النقد الأجنبي عبر شراء الذهب واليورو واليوان، وسحب معظم احتياطيه من سندات الخزانة الأمريكية. ومنذ بداية ولاية بوتين الرئاسية الرابعة في 2018، تعهد بحماية السيادة الاقتصادية لروسيا من العقوبات الأمريكية، وأعطى الأولوية للسياسات التي تُبعد اقتصاد الدولة عن الدولار.
وبحسب التقرير، تستعد روسيا حاليًا لإطلاق عملة مشفرة مدعومة من الدولة، تستطيع تجنب الدولار. ووفقًا لورقة تشاور للبنك المركزي الروسي في 2020 بشأن الروبل الرقمي، ستدعو الحكومة المؤسسات المالية غير المصرفية للانضمام إلى شبكة الروبل الرقمي. ما قد يوفر مصدرًا بديلًا للبنوك الروسية للوصول إلى السيولة الدولية والتقليل من إمكانية تأثرها بالعقوبات.
شراكة استراتيجية شاملة
رأى التقرير أن الرغبة المشتركة في تقليل الاعتماد على الدولار عززت العلاقة بين روسيا والصين. وفي 2014، ساعدت مقايضة العملات الثنائية بين بنكي البلدين المركزيين، روسيا في تجاوز العقوبات الأمريكية وتسهيل التجارة والاستثمار الثنائيين. وفي 2016، بحث رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف إمكانية إطلاق نظام دفع روسي-صيني جديد للتسويات المباشرة باليوان والروبل،
وفي 2019، ارتقت الصين بعلاقاتها مع روسيا لتصبح "شراكة استراتيجية شاملة من أجل التنسيق لعصر جديد". واستثمر البنك المركزي الروسي 44 مليار دولار باليوان، ما رفع حصة اليوان في احتياطي النقد الأجنبي لروسيا من 5% إلى 15% في بداية 2019. ووقّعت روسيا والصين في العام نفسه، معاهدة لزيادة استخدام عملاتهما الوطنية في التجارة عبر الحدود إلى 50%.
تعزيز مكانة اليوان
تشير فورين أفيرز إلى أن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف حث الصين في 2021، على العمل مع روسيا لتقليل الاعتماد على الدولار والأنظمة المالية الغربية. وسمحت الحكومة الروسية لصندوق الثروة السيادية الروسي بالاستثمار في احتياطيات اليوان والسندات الحكومية الصينية.
وبحسب التقرير، يأمل صناع السياسة الصينيون في أن تلك الشراكة مع روسيا تساعد في توسيع نطاق البنية التحتية المالية القائمة على اليوان، التي تشمل نظامًا صينيًا منافسًا لنظام سويفت، ونظامًا منافسًا للدفع بالبطاقات المصرفية، ما يعزز مكانة اليوان كعملة احتياطية ويدعم الاستقلال المالي للصين.
البحث عن أنظمة مالية بديلة
التقرير أفاد بأن بوتين يسعى لتوسيع هذه البنية التحتية المالية البديلة عن طريق تعاملات روسيا مع دول أخرى. ففي 2019 ربطت إيران وروسيا أنظمة الرسائل المالية في تجاوز لنظام سويفت. كما بحثت روسيا وتركيا استخدام الروبل والليرة التركية في التجارة الثنائية.
إضافة إلى هذا، طرحت روسيا نسختها من نظام سويفت على البنوك في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي (شراكة تضم 5 دول سوفيتية سابقة) وأعربت عن اهتمامها بتمديده إلى دول في العالم العربي وأوروبا، كذلك حاولت حشد المزيد من الدعم للتخلي عن الدولار في منتديات متعددة الأطراف مثل مجموعة بريكس (تضم البرازيل والصين والهند وروسيا وجنوب إفريقيا ومنظمة شنغهاي للتعاون).
كيف تحافظ أمريكا على هيمنة الدولار؟
لفت التقرير إلى أن الحكومة الأمريكية يجب أن تنتبه إلى العواقب غير المقصودة لسياسة العقوبات، وتجد طرقًا لتقويض الشراكة الروسية الصينية، عبر تهدئة التوترات مع الصين وتشجيعها على استخدام نظام سويفت وتشجيع المزيد من الشركات الصينية على الدخول إلى أسواق الأسهم الأمريكية، ما يحفز الصين على دعم استقرار الأسواق المالية العالمية القائمة على الدولار.
وبحسب التقرير، ينبغي على الولايات المتحدة أيضًا إضعاف القوة المالية الأساسية لروسيا ألا وهي عائدات صادرات النفط والغاز.
وذكر التقرير أن التعاون في مجال الطاقة بين الولايات المتحدة وأوروبا ضروري لتقليل الاعتماد على الطاقة الروسية. لهذا يتعين على الإدارة الأمريكية توفير إمدادات طاقة بديلة لحلفائها في أوروبا ومنطقة آسيا المحيط الهادئ.