يقع الكثير من المواطنين بشكل شبه يومي في فخ "العملات المزورة"، المنتشرة في قطاع غزة منذ سيطرة حركة حماس على القطاع في يونيو 2007، والتي ازدادت وتيرتها مع انتشار الأنفاق الحدودية مع مصر لتهريب البضائع والممنوعات، والتي تمكن أشخاص من تهريب ماكينات من الصين مخصصة لتزوير العملات، الأمر الذي يهدد الاقتصاد الغزي المنهار أصلاً، بفعل الحصار الإسرائيلي وارتفاع نسبة البطالة إلى أعلى مستوياتها على مستوى العالم.

ووفق مصادر خاصة تحفظت على نشر اسمها لـ "أركان"، فقد تم ضبط شخصيات نافذة في فصائل المقاومة من قبل شرطة حماس، لديها ماكينات لتزوير العملات بالدولار الأمريكي والشيقل الإسرائيلي، ولم يتم محاسبتهم، وهم لايزالون يتوسعون في أعمالهم التجارية.

وأكد أحد صرافي العملة لـ "أركان"، أن العملات المزورة منتشرة بشكل كبير في قطاع غزة، ويقع ضحيتها المواطن الذي لا يستطيع تمييز العملات المزورة، موضحاً أن العملات المزورة سواء كانت من فئة الشيقل المعدنية (خمسة شواقل، وعشرة شواقل)، أو فئة المائة شيقل والمائتين شيقل، إلى جانب عملة الدولار، تمر عليه باستمرار دون انتباه المواطن إلى ان العملة التي في حوزته مزورة.

ويضيف، أن المواطنين يصابون بالصدمة عندما يتم إخبارهم من قبل الصراف أن العملة مزورة، ومنهم من يعود إلى الشخص الذي استلم منه العملة المزورة، ومنهم لا يعلم من أين حصل عليها، ويكتفي بالدعاء عليهم، وأن تعود عليهم بالحسرة.

وأوضح، أن انتشار ظاهرة العملة المزورة بدأت مع انتشار تجارة الانفاق مع مصر، حيث تمكن المهربين من تهريب ماكينات من الصين للقطاع لطباعة العملات وإغراق السوق بها.

مواطنون ضحية

ورداً على سؤال وجه للمواطن يحيى عوض، حول تعرضه لفخ العملات المزورة، لـ "أركان" ضرب كفاً على كف، وقال:" لقد وقعت في فخ العملات المزورة مرات عديدة، وخلال المعاملات الشراء أو ركوب سيارة أجرة، تعرضت لإحراجات كثيرة، عندما يبلغني صاحب المتجر أو السائق بأن العملة مزورة، حيث يتلون وجهي لأن نظرات البائع أو السائق تشير إلى أنني متعمد التعامل بالعملة المزورة. وأضاف أن هؤلاء معذورين نظراً لأنهم يتعرضون كثيراً للعملات المزورة.

وأضاف، أن انتشار العملات المزورة مسؤولية الحزب الحاكم في غزة المتمثل في حركة حماس، التي يجب عليها تغليظ العقوبات على منتجي هذه العملات المزورة، كونها تسبب أذى وخسارة للمواطن، معرباً عن استغرابه من استمرار الظاهرة حتى الآن وعدم وضع حداً لها. وتابع أن حماس إذا أرادت فعل شيء ما، فلن يمنعها مانع وتستطيع في وقت وجيز انهاء أي ظاهرة غير مرغوبة بالنسبة لها.

وفي مشهد آخر، فقد أدت العملة المزورة بأحد المواطنين إلى ضرب ابنه ضرباً مبرحاً انتقل على إثرها إلى قسم العناية المركزة في مجمع دار الشفاء الطبي، بعد أن تبين لوالده الذي يحصل لقمة عيشه من بسطة لبيع المشروبات الساخنة، حيث أعطى أحد المواطنين ابنه الطفل ابن 14 عاماً مائة شيقل مزورة، ولم يكن يدري هذا الطفل أنه يتعرض لحالة نصب وغش، فانتهال الوالد على ابنه بالضرب نظراً لأن المائة شيقل ربما يمر اسبوع ولم يستطع تحصيلها.

أستاذ الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية د. بكر اشتية، أكد في حديث لـ "أركان"، أن انتشار العملة المزورة في أي بلد يؤدي الى مشاكل منها التضخم وموجات من ارتفاع الأسعار وصولاً لأن تفقد العملة قيمتها بسبب تفوق حجم النقود على حجم الانتاج الموجود في البلد، لافتاً إلى أن سلامة أداء القطاع النقدي في أي بلد يعتمد على قدرة الدولة على السيطرة على المعروض النقدي فيها، بمعنى أن المعروض النقدي يجب أن ينسجم مع حجم الانتاج وحجم الدخل في البلد، وفي حال حدث هناك معروض نقدي طبيعي (حقيقي) أو مزورة بكل الاحوال، فإن الزيادة تؤدي للتضخم وارتفاع الاسعار.

وقال:" إن أي دولة أو حكومة أو جهة ما تسيطر على مكان مكا، كحالة حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة، الأصل أن يكون لها حساباتها حول حجم المعروض النقدي داخل المنطقة التي تسيطر عليها، لأن العملات المزورة تفقد الحكومة قدرتها على التحكم بالسياسات النقدية داخل البلد، وهذه من أهم المخاطر التي تواجهها الدولة في حال انتشار العملات المزورة موجات من التضخم قد تضرب البلاد بالإضافة لعمليات غسل الاموال التي تتم من العملات المزورة، بمعنى هي أداة غير شرعية، قبل الطباعة المزورة أو بعدها والالية التي من خلالها تروج هذه العملة المزورة.

وفرق المختص الاقتصادي اشتية، بين الأثر السلبي التي تتركه العملة المزورة على المستوى الفردي، للمواطن العادي الذي يقع ضحية للعملة المزورة، وبين المنظور الاقتصادي الكلي للبلد. موضحاً أن على المستوى الفردي فإن هناك أضرار على المواطن في العملات المعدنية ولكنها ليست كبيرة لأن العملات المعدنية أقصاها عشرة شواقل، ويستفيد من ذلك المواطن المزور الذي يحول العملة المزورة الى عملة حقيقية. ولكن تكون خسارة المواطن بشكل أكبر في تزوير العملات الورقية من فئة مائة ومائتين شيقل ومائة دولار.

أما على المستوى الكلي، فإن مثل هذه العملة المزورة تؤدي إلى تضخم داخل البلد، ويختلف تأثيره من بلد مستقرة لأخرى غير مستقرة كما هو الحال في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس. موضحاً أن أي دولة مستقرة تحارب التزوير بشكل كبير جداً، لأنه يؤدي إلى زعزعة النظام النقدي في البلد، المعروض يجب أن يتناسب مع حجم الانتاج، أي تزوير في العملية يؤدي إلى خلل في سعر صرف العملة والفائدة وتؤدي لنتائج سلبية.

وتابع أن الحالة في قطاع غزة أقل خطورة لأنه لا يوجد نظام نقدي، والسياسات النقدية تتحكم فيها دولة الاحتلال الإسرائيلي.

ورغم إعلان سلطات حركة حماس بين الحين والآخر عن ضبط أموال مزورة وماكينات للتزوير إلا أن العملة المزورة أصبحت متداولة وموجودة ولم يتم جمعها من السوق، ويقع ضحيتها المواطن، خاصة في الفئات الورقية التي تشكل انتكاسة لمن يقع فيها من المواطنين.