رأى الكاتب الإسرائيلي تسفي برئيل أن احتكار القاهرة لإعادة إعمار قطاع غزة على خلفية الدمار الذي خلفه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في مايو الماضي، يخدم مصالح كلاً من مصر وحركة حماس وإسرائيل على حدٍ سواء.
ويقول الكاتب في مقالٍ له نشرته صحيفة هآرتس العبرية، أنه فور وقف إطلاق النار في 23 مايو الماضي، بوساطة مصرية، انتشرت صور الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في الشوارع الرئيسية لمدينة غزة، تلاها دخول معدات بناء مصرية من شاحنات وجرافات وكسارات برفقة نحو 80 مهندساً وعاملاً للشروع في عملية إعادة الإعمار.
ويؤكد الكاتب الإسرائيلي أن الرابح الأساسي من برنامج إعادة الاعمار هو شركة "أبناء سيناء" المصرية التي يملكها رجل الاعمال البدوي، إبراهيم العرجاني، الذي يترأس قبيلة الترابين واتحاد رؤساء القبائل في شمال سيناء، الذين يتعاونون مع المخابرات المصرية في محاربة تنظيم الدولة الاسلامية (داعش)، والمنظمات الإرهابية الأخرى.
وأوضح الكاتب أن العرجاني، الذي يملك عدة شركات مقاولات من أكبر الشركات في مصر، يعمل حسب توجيهات المخابرات المصرية، التي تحصل بدورها على نصيب كبير من المساعدة المصرية للقطاع ومن نقل البضائع من مصر إلى غزة، بالأساس التي تجتاز الحدود في معبر صلاح الدين.
من جهة أخرى، أشار الكاتب الإسرائيلي أن مصر مستفيدة ليس فقط من أعمال إعادة الإعمار، بل من المال القطري المخصص لقطاع غزة، والذي تحول من الدفع النقدي 10 مليون دولار شهرياً لحركة حماس، إلى أموال تدفعها قطر إلى مصر وتقوم الأخيرة بتحويله على هيئة وقود وغاز للقطاع، وتبيعه حماس للمواطنين وتجبي ثمنه، وهذا الأمر تم التوصل إليه بالتشاور بين إسرائيل وأمريكا والإمارات.
اقرأ/ي أيضاً: شهادات مهاجرين لـ "أركان": الرحلة من تركيا لليونان خدعة مأساوية كبرى
ووفق الكاتب، فإنه على ما يبدو مصر وقطر تعهدتا بأن لا تستخدم هذه الأموال لأهداف تسلح "حماس"، مستدركاً أنه ومع ذلك لا توجد آلية رقابة ناجعة، مصرية أو غير مصرية، يمكنها أن تمنع "حماس" من أن تأخذ نصيبها من مداخيل بيع الوقود.
وتابع، بالإضافة إلى أعمال إعادة الإعمار والمال القطري، فإن مصر تعد المزودة لقطاع غزة بمواد البناء والمواد الاستهلاكية عبر معبر صلاح الدين، الذي من خلاله يتم استيراد 17 في المئة من البضائع التي تدخل إلى القطاع.
وأشار إلى أن حجم التبادل التجاري بين غزة ومصر، بلغ 55 مليون دولار شهرياً، تجبي "حماس" منها 14 مليوناً رسوماً وضرائب.
ونوه الكاتب الإسرائيلي إلى أنه كلما زاد حجم استيراد غزة من مصر فإن السلطة الفلسطينية تفقد المزيد من المدخولات، حيث السلطة هي التي يحق لها تسلّم عائدات الجمارك على البضائع التي تصل إلى القطاع عبر إسرائيل وفقاً للاتفاقات الموقعة.
وأوضح الكاتب أنه مقابل السيطرة المصرية على التجارة مع قطاع غزة قامت مصر بزيادة عدد جنود حرس الحدود لديها على طول الشريط الحدودي مع القطاع، وهي تستخدم الضغط على "حماس" من أجل التنازل عن طلباتها وشروطها لعقد صفقة تبادل الأسرى وجثث الجنود الإسرائيليين.
ولفت إلى أن مصر دعت الوفد الأكبر من "حماس" لمناقشة اتفاق تبادل الأسرى، إلا أن "إسرائيل" لم تعجبها الصيغة التي تم التوصل إليها.
وأوضح الكاتب الإسرائيلي، أن مصر تحاول العمل مع حركة حماس على التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار طويل المدى بضمانات لعدم اعتداء أي طرف على الآخر، كي لا يتم المس بعملية الاعمار، وهذا التوجه يأتي انسجاماً مع رؤية الإدارة الأمريكية التي تتبناها الآن، والتي اعترفت بأنه لا توجد في هذه الاثناء "إمكانية سياسية" للدفع قدماً بعملية سياسية شاملة، لكن هناك ضرورة لتحسين الوضع الاقتصادي في الضفة وفي القطاع، والتي استعدت فيها واشنطن للتبرع بسخاء في حال تم التوصل للاتفاق طويل المدى.
كما أن مصر تعمل على تحقيق استكمال ملف المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس.
وأشار الكاتب الإسرائيلي إلى أن مصر تحاول إقناع حركة حماس بالسماح بوجود ممثلي للسلطة الفلسطينية في غزة ولو رمزياً، إلى أن تتم المصالحة، وذلك من أجل الإظهار بأن أعمال إعادة الإعمار لا تتم فقط أمام "حماس" وأنها تعمل حسب الاتفاقات السابقة التي تطالب بأن يكون في المعابر مع مصر موظفو جمارك من قبل السلطة.
كما تحرص مصر على أن تتم كل أعمال إعادة الاعمار بوساطة شركة "أبناء سيناء"، التي يمتلكها العرجاني، وليس بصورة مباشرة بوساطة الجيش المصري، رغم أنه فعليا هو الذي يشرف على الأعمال، من أجل أن يكون بالإمكان التوقيع على اتفاقات عمل مع مقاولين من غزة دون أن يلتصق بالحكومة المصرية التعاون الاقتصادي المباشر مع "حماس".
ولفت الكاتب إلى أن مصر بهذه الطريقة تستطيع الاستعانة بتمويل من السعودية والامارات، اللتين لا تريدان في هذه الاثناء إقامة علاقات مباشرة مع "حماس"، لكنهما على استعداد لمساعدة مصر في الحفاظ على احتكار سيطرتها على القطاع.
وتابع الكاتب الإسرائيلي في صحيفة هآرتس العبرية، أن ما تقوم به مصر من توسيع دائرة تحكمها في قطاع غزة ، يتساوق مع سياسة حكومة الاحتلال الإسرائيلي التي تعتبر غزة كيانا منفصلا، وبذلك تضمن عدم إمكانية تحقق اتفاق سياسي حتى في الطرف الفلسطيني.