"اشترى فيلا وسيارة وحقق حلمه بـ 5000 دولار فقط"، هذه الكلمات كانت كفيلة بأن تدفع "يوسف" للتفكير بطريقة ما للحصول على المبلغ بأي ثمن؛ فلم يجد أمامه سوى ذهب زوجته التي ذرفت الدموع وتمزق قلبها عندما سمحت له ببيع حُليها اضافة إلى استدانته بعضًا من المال.

يوسف – اسم مستعار رفض نشر اسمه الحقيقي- حمل أموال زوجته وما اقترضه من اصدقائه مهاجرًا إلى بلاد الأحلام الوردية "تركيا"؛ باحثًا عن فرصة عمل هنا أو هناك، إلا أنه بات ليلته الأولى في إحدى حدائق اسطنبول ليفترش الأرض ويلتحف السماء.

استيقظ "يوسف" في صباح اليوم التالي متنقلًا في شوارع العاصمة التركية باحثًا عن الطعام فاصطدم بأول المعيقات وهي ارتفاع الأسعار، اضطر يوسف لتناول طعامه وأكمل طريقه على سجادة الأحلام الوردية ليجد اخيرًا عملًا في أحد المطاعم بمهنة "غسيل الأطباق".

يقول "يوسف" لمراسل موقع "أركان" أنه حصل على 30 شيكل أجرة اليوم الأول من عمله وهي نفس الأجرة وربما أقل مما يحصل عليه بين أهله وذويه في قطاع غزة، لكنه تمسك بالأمل وبدأ يبحث عن مكان للسكن وهنا أصيب بصاعقة غير متوقعة حيث ارتفاع جنوني لأسعار الشقق السكنية.

وفي تلك اللحظة ايقن "يوسف" وغيره الكثير من الشبان الفلسطينيين أن مدينة الأحلام لم تعد وردية كما كان يتوقع فقرر العودة إلى أرض الوطن "فلسطين" بعد أن أضاع أمواله وأموال زوجته هباءً منثورا.

قصة "يوسف" هي إحدى قصص الشباب الفلسطيني التائه الضائع الذي يبحث عن مصدر رزق كريم يساعده لإعالة اسرته من الوضع الاقتصادي السيئ الذي يعيش فيه قطاع غزة أو الضفة الغربية المحتلة.

عشرات الآلاف من الشبان الفلسطينيين هاجروا أرض الوطن هربًا من البطالة والفقر والتجاذبات السياسية التي قتلت أحلامهم وأخفت طموحهم وفقًا لما أكده رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد" الدكتور صلاح عبد العاطي.

وقال د. عبد العاطي في تصريح خاص لموقع "أركان": "هناك سببان لهجرة الشباب الفلسطيني لا سيما الكفاءات أولها تتعلق بالاحتلال الإسرائيلي من خلال انتهاكاته الكارثية باستهداف الحجر والبشر وسرقة الأرض وتهجير العائلات قسرًا، أما السبب الأخر يتمثل بالتداعيات الكارثية التي تركها الانقسام السياسي بين حركتي "حماس وفتح".

وأشار إلى أن غياب دعم الشباب وغياب فرص العمل وتنامي البيئة الاجتماعية والسياسية السيئة للكثير من القطاعات أدى لرفع نسبة الفقر في أوساط الشباب إلى 70% في قطاع غزة، لافتًا إلى وجود نوعين من الهجرة هجرة مشروعة وهجرة غير مشروعة.

وأوضح أن الهجرة مشروعة حق مكفول لكل مواطن يبحث عن التعليم أو العمل أو السفر أو حياة كريمة، أما الهجرة غير المشروعة تحمل مخاطر كبيرة جدًا تبدأ بالهروب من البلاد وركوب قوارب الموت والابتزاز والخطف وسرقة الأعضاء والسجن والاختفاء قسرًا.

ورصدت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد" وفقًا للدكتور عبد العاطي، 8 حالات اختطاف لشباب فلسطيني في الاراضي التركية، كما رصدت الهيئة وجود أعداد كبيرة من الشباب المهاجرين في مخيمات تفتقد لمقومات الحياة الانسانية فيما يبيت غالبية المهاجرين في الشوارع والحدائق العامة.

وبين عبد العاطي أن جزءا كبير من الشباب الغزي عاد إلى الوطن بعد أن فقد كرامته وأمواله وأحلامه وطموحاته في بلاد الأحلام الوردية لعدم تأقلمه مع تلك البلاد وعدم دراسته لظروفه المالية والمعيشية حينما قرر الهجرة اليها.

وطالب رئيس هيئة "حشد"، الجهات المختصة في قطاع غزة والضفة المحتلة لتعزيز مشاركة الشباب قبل ان يقرروا الهجرة والتيه في بلاد الأحلام غير الوردية، داعيًا إلى ضرورة انهاء الانقسام ورفع العقوبات وخلق بيئة سياسية توفر الحد الأدنى من المعيشة للشباب من خلال فرص العمل.

الشاب عبدالرؤوف -رفض كشف هويته كاملًا- لخص وصية عشرات الآلاف من المهاجرين لمراسل موقع "أركان" قائلًا: "الهجرة بدون هدف عبارة عن خدعة كبيرة، وقليلًا ما يستطيع الشباب تجاوز الوضع وتحسين وضعهم المادي، خصوصا لو كان لديهم أسر هم مسؤولين عنها سيكون الأمر صعب جدًا".

في العام 2017 غادر "عبد الرؤوف" قطاع غزة بناءً على توصيات أصدقائه لتحقيق طموحه بالعمل في تركيا بلاد الأحلام بالنسبة له، قائلًا: "عندما وصلت وقعت في أول مطب وهو أمر السكن، حيث أنني عربي ولا أجيد اللغة التركية ولغتي الإنجليزية ضعيفة".

وأضاف: "أصدقائك الذين يمتلكون السكن لن يتحملوا وجودك أكثر من أيام لذلك أنت مضطر لمواجهة عالم لا تعرف عنه شيء، حتى وإن كانت البلاد جميلة فإن هذه الدهشة تنتهي مع مرور الأيام، ويبقى حاجتك للعمل وحاجتك الماسة لدفع الايجار واستصدار فيزا سياحية، وجميع الأعمال التي كانت متاحة كانت تنتهك إنسانيتك، فهو عمل مستمر لأكثر من 12 ساعة في مصانع، وبأجور لا تكفي للمواصلات والسكن والأكل طيلة الشهر".

وأضاف: "فمن يقول إن تركيا مليئة بالأعمال فهو واهم، تركيا بلاد جميلة لمن لديه أموال لاستثمارها، لكن ليست مكان مناسب للعمل وجني أرباح واستقرار وأنت فقير، فكل مهاجر اكتشف الأمر كان إما أن يحاول أن يخوض البحر أو يمشي برًا إلى اليونان للتهريب، أو من كان لديه المال كان يحاول استصدار جواز شبيه أو ما إلى ذلك من طرق التهريب للوصول إلى أوروبا، والقسم الثاني وهو الغالبية العظمى كان يعود إلى قطاع غزة. 

الأمر المؤسف والمحزن كما رواه "عبد الرؤوف" وجود الكثير من الغزيين في تركيا لا يملكون قوت يومهم وينامون بالحدائق ولا يملكون حتى ثمن تذكرة العودة، ومنهم من انحرف وعمل في أمورٍ ممنوعة حتى يستطيع العيش.