يحتفل العرب الفلسطينيون والإسرائيليون اليهود هذه الأيام (منتصف مايو 2023) بمرور ثلاثة أرباع قرن على نكبة صُناع وطن، وعلى بهجة ميلاد دولة.
ولكن لا النكبة ولا البهجة أنهت الصراع في أرض الميعاد. فمازال العرب الفلسطينيون واليهود الإسرائيليون يعيشون على نفس الأرض: يشتبكون بالسلاح حينًا، ويتعايشون بالصالح أحيانًا أكثر. وحقيقة الأمر، كما تنبأ بها هذا الكاتب، منذ نصف قرن، أن الفلسطينيين واليهود الإسرائيليين سيستمرون في التعايش لمدة الرُبع قرن القادم، أي حتى 2048 في كيان واحد يتساوون فيه من حيث الحقوق السياسية، مع استمرار الفوارق في الحظوظ الاقتصادية والاجتماعية.
وإلى بعض تفاصيل هذا التنبؤ:
1ـ الواقع السُكانى الديموجرافى بعد ثلاثة أرباع قرن من نكبة الفلسطينيين وبهجة الإسرائيليين يُفيد تقارباً في الأعداد- عشرة ملايين لكل منهما، أي حوالى عشرين مليوناً يعيشون بين البحر المتوسط ونهر الأردن.
2ـ لقد استنفدت الوكالة اليهودية ودولة إسرائيل معظم قوة الجذب لليهود في العالم، للهجرة والاستيطان في فلسطين/ إسرائيل. بل إنه طبقاً للمصادر الإحصائية الإسرائيلية الرسمية، فإن عدد الإسرائيليين الذين يُغادرون الكيان الصهيونى، أصبح يتجاوز بعدة آلاف منْ يتوافدون من الخارج للاستيطان في إسرائيل. ويُساعد على ذلك أن كل إسرائيلى في الكيان لديه جواز سفر ثان أو ثالث، لدولة في الشمال المتقدم (أوروبا والأمريكتين)، أو الجنوب المتقدم أيضاً (أستراليا ونيوزيلندا).
3ـ أن التفوق الكاسح لإسرائيل عسكرياً وتكنولوجياً على الفلسطينيين، ورغم غاراتها الدورية على الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، بل وعلى منْ يتعاطفون معهم في إيران، وسوريا، ولبنان، فإن الصواريخ البدائية للمقاومة الفلسطينية، والتى يصل بعضها بالكاد إلى جنوب إسرائيل، أصبح من شأنها أن تمثل قلقاً شديداً لنسبة كبيرة من يهود إسرائيل، وهو ما يُفسر النسبة المتزايدة للمُغادرين مقارنة بالوافدين.
4ـ في مؤتمر نظمه الإسرائيلى- الفلسطينى ـ الأمريكى، الدكتور شبلى تلحمى يوم 18 أبريل 2023، بمناسبة الثلاثة أرباع قرن (1948-2023)، بعنوان «دولة الأمر الواقع الواحدة» The one State Reality، وشاركت فيه مع زُملاء عرب آخرين وإسرائيليين وأمريكيين وأروبيين، انتهى بأن الواقع على الأرض، في فلسطين التاريخية، أي من البحر المتوسط إلى نهر الأردن، هو نمو كيان واحد هجينى، يضم يهوداً (اثنين وخمسين في المائة)، وعرباً (ثمانية وأربعين في المائة)، يتعايشون بلا مساواة حقيقية كاملة في متوسط الدخول، والحقوق والواجبات، ولكن بفوارق متناقصة.
5ـ أن معدلات النمو السكانى بين الفلسطينيين العرب تفوق مثيلتها بين الإسرائيليين اليهود، وأنه خلال رُبع القرن القادم (2023-2048)، ستكون نسبة الفلسطينيين العرب (خمسة وخمسين في المائة)، مقارنة بـ(خمسة وأربعين في المائة) للإسرائيليين اليهود.
6ـ وأهم من الحقائق السُكانية، أن العوامل النفسية بالقلق والمخاطر تتناقص عموماً مع تزايد الاعتراف العربى بإسرائيل.
7ـ دخلت الصين باستراتيجيتها السِلمية الناعمة الجديدة، كوسيط نصيف صامت بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وفتحت للجانبين أسواقها الضخمة، لترويج ما يستطيع كل منهما إنتاجه من ناحية، وتقديم مساعداتها حسب الطلب وحسب الحاجة للجانبين.
وهكذا يبدو أن الشرق الأوسط، عرباً، وإسرائيليين، وأتراكاً، ويونانيين، وإيرانيين، يسير بخُطى وتيدة، وإن كانت بطيئة، في نفس المسار الذي قطعه المتصارعون، شرقاً وغرباً، من قبلهم.
وهذه شهادتى للحق وللتاريخ
وعلى الله قصد السبيل.