أكد الباحث الفلسطيني حسن الداودي في ورقة بحثية، أن النشطاء الفلسطينيين حققوا انتصاراً كبيراً في المعركة الرقمية التي خاضوها على مواقع التواصل الاجتماعي، ضد الدبلوماسية الرقمية الإسرائيلية، ونجحوا في دحض الرواية الإسرائيلية التي أُنفقت عليها مليارات الدولارات على مدار العقد الماضي، وكشفوا كذب الرواية الاسرائيلية والجرائم التي يتعرض لها الفلسطينيون في مدينة القدس والضفة الغربية وقطاع غزة خلال العدوان الإسرائيلي شهر مايو/أيار الماضي، الأمر الذي أدى لازدياد الدعم الشعبي العالمي لفلسطين، وخروج المسيرات الداعمة لفلسطين إلى جانب مواقف المشاهير من نواب في الكونجرس الأمريكي وفنانين ورياضيين ينتقدوا "إسرائيل"، ويطالبوا الحكومة الأمريكية بتوقف الدعم لإسرائيل لارتكابها جرائم بحق حقوق الإنسان.

ودللت الورقة البحثية التي نشرها موقع "مسارات"، على أن النصر الرقمي الفلسطيني على الرقمي الإسرائيلي، أشارت إليه دراسة لمعهد الأمن القومي الإسرائيلي، التي قالت أنه على الرغم من الجهد الكبير والموارد الضخمة التي تنفق على تعزيز الحضور الرقمي الإسرائيلي، فإن عملية "حارس الأسوار" (عدوان مايو) أثبتت أنه ليس كافيًا لمجاراة الفلسطينيين، لا سيما إن كثافة النشاط على الإنترنت لخصوم "إسرائيل" ومنتقديها أكبر بكثير وأكثر قوة.

وخلصت الورقة البحثية، إلى أن التغطيات الإعلامية المكثفة للأحداث وجّهَت ضربة للديبلوماسية الرقمية الإسرائيلية التي نشطت خلال العقد الأخير لإظهار "إسرائيل" بقناع جديد، وهو ما أثر في سردية القضية الفلسطينية، وحجم التضامن مع الفلسطينيين. ومع اندلاع الهبَّة الشعبية في القدس وما تلاها من أحداث، سقط القناع عن تلك الديبلوماسية التي كانت تروّج لدولة "إسرائيلية" ديمقراطية وإنسانية، وأظهر الرقمي الفلسطيني حقيقة تلك الدولة عبر منصات التواصل الاجتماعي.

ونبهت الورقة إلى أن الاعتراف الإسرائيلي بخسارته في المعركة الرقمية، يعني أن "إسرائيل" تسعى لأن تكون آخر جولاتها الخاسرة في الميدان الرقمي بلا ريب، الأمر الذي يتطلب من الفلسطينيين الاستعداد جيدًا وتطوير أدواتهم الرقمية، سواء على الصعيدين الرسمي أو الشعبي.

وأشارت الورقة إلى أن بروز المعركة الرقمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين تزامنت مع هبة القدس في أيار/مايو الماضي 2021م، التي اشتعلت على كافة جبهات المواجهة مع الاحتلال على طول فلسطين التاريخية وخارجها، ولعبت المعركة الرقمية دورًا بارزًا في رفع رصيد الرواية الفلسطينية رقميًا، والتأثير في الجماهير العالمية التي هرعت إلى الشوارع، ووصف هذا الدور المحوري بأنه "انتفاضة رقمية"!

كما أشارت إلى محاولة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، حجب وسائل التواصل الاجتماعي، بعد أن نظمت احتجاجات داخل "إسرائيل" ضد الهجمات الإسرائيلية على القدس وقطاع غزة، متذرعًا أن سبب هذه الاحتجاجات دعوات مشبوهة بثت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكن المدعي العام الإسرائيلي ومسؤولين أمنيين رفضوا اقتراحاته. ما يدلل أيضاً على التفوق الرقمي الفلسطيني.

وأوضحت الورقة أن نجاح الرقمي الفلسطيني في معركته، دفع الخبير الاسترايتيجي في الدبلوماسية الرقمية الإسرائيلية، روني يمون إلى المطالبة بموازنة مليار شيقل لمجابهة الرواية الرقمية الفلسطينية، بعد أن أقر بهزيمتهم من الرواية الفلسطينية التي احتلت ساحات مواقع التواصل الاجتماعي.

وأشارت الورقة البحثية إلى أن هذا الانتصار الرقمي يأتي في ظل أن إسرائيل صنفت في الديبلوماسية الرقمية في المركز التاسع عالمياً بحسب تصنيف معهد أكا التركي للديبلوماسية الرقمية عام 2017، بينما صنفت فلسطين في المركز الخامس والثمانين وهو ما يعطي مؤشراً واضحًا لكون الديبلوماسية الرقمية الفلسطينية ليست على سلم أولويات العمل الديبلوماسي الفلسطيني الرسمي، وأن الانتصار الذي حققه هم النشطاء الفلسطينيين الذين أبدعوا في مواجهة الرواية الإسرائيلية، عبر حملات أطلقوها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كما فعل الناشطان الشقيقان منى ومحمد الكرد المتواجدان في تصنيف مجلة التايم كأكثر مائة شخصية مؤثرة عالميًا، حيث تشاركا مشوار النضال منذ نعومة أظفارهما، وهما في عمر 12 عامًا، حين أخذا يواجهان المستوطنين المسيطرين على جزء من منزلهما، وقاما في هبة القدس باستثمار منصاتهما الرقمية لتوثيق انتهاكات الاحتلال على حي الشيخ جراح، ما أدى إلى تدويل القضية وجعلها شاغلة للرأي العام العالمي. وكذلك ما حدث من حملات بشكل جماعي بأسماء رقمية، مثل "صدى سوشيال": تهدف للدفاع عن الحقوق الرقمية الفلسطينية ومتابعة الانتهاكات بحقها ورصدها وتوثيقها، و "حملة اهبد 194 التي تضم الآلاف ممن يعملون بشكل منظم لمحاربة الرواية الإسرائيلية المضللة ونشر الرواية الفلسطينية رقميًا، والتي وصفها أحد الباحثين الإسرائيليين في دراسة له بأنها "جيش فلسطيني سري خطير ويعادي السامية".

المنصات الرقمية سيف ذو حدين

ونبهت الورقة البحثية إلى المنصات الرقمية هي سيف ذو حدين، حيث أن إسرائيل التي كانت تطمح فيه إلى جرّ المزيد من العرب نحو التطبيع، جاءت هبة القدس لتوجه لها ضربة معاكسة لآمالها، إذ حصد الفلسطينيون تضامنًا عالميًّا واسعًا مع قضيتهم، تَمثَّل بموجة غير مسبوقة من المظاهرات وحملات التضامن التي تنادي بإنهاء الاحتلال ودعم فلسطين. وفي الوقت ذاته فإن هذه المنصات ذاتها التي وظفتها إسرائيل منذ نحو عقد لتلميع صورتها، عربيًّا وعالميًّا، عرّت سياساتها، وأسقطت القناع عن وجهها الحقيقي خلال أحداث هبة القدس، وأحدثت تغييرًا جوهريًّا في توجهات بارزة في الرأي العالمي.

تفوق رغم الانحياز

وأشارت الورقة البحثية إلى أنه يظهر جليًا انحياز مواقع التواصل الاجتماعي الرئيسية ضد الحقوق الرقمية الفلسطينية، حيث اشتكى نشطاء فلسطينيون وعرب من عمليات تقييد أو حجب حساباتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعد مشاركتهم منشورات تدعم القضية الفلسطينية، وأكدت الورقة البحثية أن هذا الانحياز يضيف قيمة إضافية إلى النصر الرقمي الذي تحقق للرواية الفلسطينية.

وحثت الورقة وزارة الخارجية الفلسطينية إلى الاهتمام بالمعركة الرقمية لمواجهة الرواية الإسرائيلية التي خصصت لها مليارات الدولارات من أجل نشرها للعالم عبر منصات التواصل الاجتماعي.