ألا يا ياسر قد طاف الوجد من القلب، وترحم البشر والطير والحجر والبحر على شهداء الأرض، وأنت الساعة تسير في رحلتك من البرزخ للسماء، تقود مسيرة الشهداء للعلياء.
تراودنا أساطير وخرافات عنك، كأن تقوم من ضريحك في رام الله وأنت تعدل كوفيتك، وتهزم التراب كما هزمت رمل الصحراء وكثبان الرمال المتحركة في ليبيا وخرجت بابتسامتك الواثقة.
لعلك تعلم كم كانت تلك الابتسامة الرصينة التي لم تكن تفارق محياك الوضاء، كم كان وقعها بالأمل على نفوسنا، وكيف كانت تبعث الماء في نبع الرجاء الجاف.
هي ابتسامة الواثق بنصر الله، الواثق بنضالات شعبك، بصبره وقوته وسطوته، فأنت من أسمانا شعب الجبارين، ونحن نسميك أسد بيروت والختيار والبطل المغوار والليث الهصور الصبور والرقم الصعب والرجل الصعب والشهيد الحي، لم تقبل الأسر، فالطيور الجارحة مكانها السماء، بل طلبت الشهادة ونلتها وكأنك تهتف:فإما حياة تسر الصديق وأما ممات يغيظ العدا
سبعة عشر عاما، وفلسطين كل فلسطين وأحرار الأرض، ينشدون اسمك الياسر، يذكرون بعضهم ببطولاتك وفراستك وبعد نظرك ورجاحة عقلك وصلب عزيمتك وصدق نيتك بالشهادة.
سبعة عشر عاما، والأسرى كل أسرى فلسطين والعالم، يقرأون على بعضهم، حصار طرابلس وحصار بيروت وحصار رام الله، فيلين حديد السجان وتتسع كوة الأسر لفراشات أكبر ويتسلل أريج زهر فلسطين حتى مخادعهم يزمّل أحلامهم ويرفع عن ليلهم الكوابيس.
هناك في سجن الجلبوع، مر ظلك على عطش الأسرى، فأسقاهم ماء الحرية السلسبيل ومددت يدك لتساعدهم على الخروج من نفق الحرية حيث كنت تنتظرهم هناك.
كم جاهدت وناضلت وكافحت وقاومت، كم فاوضت وساومت وتشبثت، كم اسم لك اليوم ومن قبل، أنت الفلسطيني الأرمني، ياسر عارفاتيان، والمقدسي والمسيحي والمسلم والاشتراكي والشيوعي.
أنت شجرة الفصائل الفلسطينية المعمرة، تلك التي أنجبت فتح والجبهة الشعبية والديمقراطية وجبهة التحرير حزب الشعب وفدا والجهاد.
كانت وما زالت وستظل ابتسامتك مصدر الثقة وسكينة النفس بالنصر القادم، كلما كنت تخرج من كل حصار مبتسما ومن كل معركة مبتسما ومن كل جولة ضغوط دبلوماسية مبتسما، كنت دوما تبعث الثقة في أنفسنا أن الأمور بخير، وستظل فلسطين بخير بما أن شبابها وأطفالها يدانون شجاعتك ويتتبعون خطواتك المحفورة بالتعب على طريق التحرير والعودة الصعب.