بعد اعلان الجيش المصري في شهر ابريل للعام الجاري (2021) عن اكتشاف وتدمير 5 انفاق للتهريب على الحدود مع قطاع غزة زادت التأكيدات بوجود أنفاق مخفية لتهريب السلع والبضائع يُسيطر عليها بعض المتنفذين من "حركة حماس" خاصة أن المنطقة الحدودية لا يمكن لأحد أن يستخدمها بعيدًا عن عيون عناصر حركة حماس أو ما يطلق عليهم "الضبط الميداني".
وجود أنفاق لتهريب السلع يدلل على وجود ايرادات "بملايين الشواكل" تدخل إلى جيوب بعض قيادات حماس المتنفذين والمسيطرين على حدود غزة، ما يترك تساؤلات عدة أهمها أين تذهب ايرادات السلع والبضائع؟ ولماذا لا تصدر حكومة غزة التقارير المالية السنوية للإيرادات والنفقات؟.
"شبهات الفساد" تسيطر على كل الجهات الحكومية أو مؤسسات المجتمع المدني التي لا تعتمد على نشر التقارير المالية السنوية للإيرادات والنفقات وفقًا لمختصين اقتصاديين، خاصة أن قاعدة الشفافية والمصداقية تتطلب نشر احصائية كاملة بكل "أغورة" تدخل للقطاع أو يتم صرفه منذ بداية العام حتى نهايته.
اقرأ/ي أيضاً: تعرف على المسارات الفلسطينية الأربعة لإنهاء الاحتلال
الخبير الاقتصادي المالي الدكتور أمين أبو عيشة يرى أن هناك شبهات فساد مالي في حكومة غزة التي تسيطر عليها حركة حماس، مبينًا أن الحكومة لم تنشر منذ عام 2012 حتى اليوم أي تقرير مالي يُبين قيمة الايرادات والواردات السنوي.
وأكد أبو عيشة في تصريح لموقع "أركان" أن عدم وجود تقارير مالية سنوية للواردات والصادرات لحكومة غزة يثبت وجود اقتصاد خفي يُسمى "بالمالية السفلية" يستفيد منه اصحاب النفوذ والسلطة، لافتًا إلى أن الاقتصاد الخفي كان ظاهرًا بشكل لا لبس فيه أثناء ذروة انتشار انفاق التهريب الحدودية منذ عام 2007 حتى عام 2013.
وشكك أبو عيشة في اختفاء الانفاق الحدودية بشكل كامل وزاد الشك لديه عندما اعلان الجيش المصري تدمير 5 أنفاق في شهر ابريل من العام الجاري، مرجحًا وجود أنفاق تهريب بين غزة ومصر تعلم بها حكومة حماس وبعض الجهات المتنفذة في مصر.
وأوضح أن ظهور بعض الانفاق يطرح العديد من التساؤلات عن مدى الشفافية والافصاح الضريبي حول بيانات الدخل والنفقات والايرادات، لافتًا إلى أن الافصاح الضريبي العلني في غزة لا يتجاوز الـ 5% وهذا يؤكد وجود فساد مالي يؤثر سلبًا على المجتمع ككل.
وقال: "لا يوجد منظومة مالية واضحة في حكومة غزة ولا أركان محددة تنظم العلاقة المالية بين الموظَف والحكومة"، مؤكدًا أن وجود منظومة مالية وإدارية صحيحة يمكن لها معالجة ومراقبة اداء الحكومة.
ويعتقد أبو عيشة أن عوائد ضرائب السلع التي يتم ادخالها عبر بعض الانفاق الموجودة اذا لم تكن للقطاعات الحكومية فهي تعود بلا شك لأطراف متنفذة في حكومة غزة ما يدل على عدم وجود شفافية ونزاهة مالية تنظم العلاقة بين الحكومة والمواطنين.
ولفت إلى أن 50% من مجموع الحصيلة الضريبية أو الجمركية لحكومة غزة يتم تقسيمها بين جهات متنفذة عشوائية، مبينًا وجود تسرب مالي كبير لا يعرفه سوى المتنفذين على الانفاق الحدودية من الجانبين الفلسطيني والمصري.
فيما قال الخبير الاقتصادي د. سمير أبو مدللة: "إن التقارير المالية للإيرادات والنفقات سواء لحكومة غزة أو المؤسسات المختلفة مهمة جدًا لتعطي نوعًا من الشفافية والطمأنينة لعدم وجود فساد مالي أو اداري، قائلًا: "إن وجدت التقارير المالية فهي تُعطي صورة واضحة عن وضع الحكومة المالي وخطتها للسنوات القادمة".
وأشار إلى أن عدم وجود أو نشر التقارير المالية يتنافى مع مبادئ الحكم الصالح ويتنافى مع مبادئ الشفافية ويضع علامات استفهام كبيرة حول النظام الاداري والمالي.
وحول سبب عدم وجود أو نشر تقارير مالية لحكومة غزة وبعض مؤسسات المجتمع المدني، يعتقد أبو مدللة أن هناك اسباب عدة وهي: "انحصار الدعم المالي، عدم رغبة المسؤولين في الكشف عن قيمة المبالغ الحقيقية التي تصل إليهم، عدم رغبة تلك الجهات بالكشف عن مصادر التمويل الخاصة بها، مؤكدًا أن اخفاء أو تجاهل نشر بيانات الموازنة المالية يخالف كل قوانين الشفافية والنزاهة مما يضع علامات استفاهم ويشير إلى وجود نوع من الفساد المالي.
وتابع قوله: "بيانات الموازنة العامة يجب أن تكون واضحة ليعلم المواطن، أين تُنفق الأموال سواء كانت هبات خارجية أو ضرائب على السلع التي تفرضها الحكومة؟، والكشف عن مصادر الانفاق يعطي المواطن نوعًا من الطمأنينة والامان.
وفيما يتعلق بوجود بعض الانفاق التي تعمل في الخفاء لإدخال سلع يفرض عليها ضرائب باهظة، يرى أبو مدللة أن الأنفاق الحدودية انتهت تمامًا ولم يعد لها وجود في ظل ادخال المواد الأساسية عبر القنوات الرسمية؛ لكن إن وجدت انفاق فيجب على حكومة غزة أن تعرض ايراداتها للعلن وأن تقدمها للقطاعات المهمة لخدمة المواطنين كالصحة والتعليم.
من جهته أكد عضو المكتب السياسي لجبهة النضال الشعبي محمود الزق أن السبب الرئيسي لظاهرة عدم نشر التقارير المالية الخاصة بالإيرادات والنفقات للحكومة في غزة أو مؤسسات المجتمع المدني سواء في غزة أو الضفة هو غياب دور الجهات الرسمية والرقابية لا سيما المجلس التشريعي.
وأوضح الزق في تصريح لموقع "أركان" أن غياب المجلس التشريعي وغياب دور المؤسسات الأهلية للرقابة يُشكل ثغرة خطيرة جدًا للفاسدين لممارسة أعمالهم دون رقيب أو حسيب مما يعرضهم لشبهات الفساد.
وفيما يتعلق بإمكانية وجود أنفاق لتهريب البضائع والسلع على حدود غزة بعد تدمير الجيش المصري لخمسة انفاق في شهر ابريل 2021 قال الزق: "إن تهريب المواد الاستهلاكية للمواطن عبر الانفاق يعني غياب الرقابة والتفتيش والأخطر غياب الرقابة الصحية على السلع مما يعرض المواطن لكارثة صحية".
وأشار إلى أن أي دولة أو حكومة تحترم ذاتها ونفسها يفترض أن تحارب ظاهرة التهريب وأن تُدخل السلع فقط عبر القنوات الرسمية الشرعية لتكون تحت الرقابة بكافة أنواعها.
وتعاني حكومة غزة منذ سنوات من أزمة مالية كبيرة تدفعها لفرض ضرائب باهظة على السلع والبضائع سواء التي تدخل عبر انفاق التهريب أو حتى التي تدخل عبر القنوات الرسمية بالمعابر الحدودية بهدف رفع نسبة صرف رواتب موظفيها دون تقديم الخدمات للقطاعات الصحية أو التعليمية التي تكتفي بصرفها من خزينة السلطة الوطنية.
يُشار إلى أن وزارة الجيش الإسرائيلي كشفت في تقرير سابق لها أن الانفاق الحدودية بين قطاع غزة ومصر ليست جديدة بل هي قديمة منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، إلا أن عددها لا يزيد عن أصابع اليد ومنذ سيطرة حماس بالقوة على قطاع غزة زادت الانفاق بشكل كبير جدًا وأصبح من الصعب السيطرة عليها مؤكدًا –تقرير الجيش- أن أموال تلك الانفاق تذهب إلى جيوب المتنفذين في حركة حماس وليس للمواطنين في غزة.